للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفسه، وينفر من إخباره بما يستطيعُ إدْراكَهُ وتصوُّرَه بنفسه، من سلسلة الأحداث والوقائع، ولا سيما دقائقها العاديّة التي تتكرَّر في الأشباه والنظائر.

وأُقَدّم فيما يلي طائفة من الأمثلة القرآنية الّتي تشتمل على روائع وبدائع من هذه الفنون السَّبْعَة:

المثال الأول:

جاء في سورة (ص/ ٨ مصحف/ ٣٨ نزول) قول الله عزّ وجلّ:

{واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [الآية: ٤١] .

"بِنُصْبِ": هذه قراءة جمهور القرّاء، وقرأ أبو جعفر المدني: "بِنُصُبٍ" وقرأ يعقوب البصري: "بِنَصَبٍ" وهي لغاتٌ عربيّة للكلمة، والمعنى فيها جَمِيعاً: بِتَعَبٍ وإعْيَاءِ ومَشَّقَّة.

في هذه الآية حكاية حدَثٍ مضى، وفق الأسلوب المعتاد في حكاية الأخبار، وعقِبَ هذه الحكاية للحدَث قال الله عزَّ وجلّ:

{اركض بِرِجْلِكَ هاذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [الآية: ٤٢] .

الرَّكْضُ: ضرْبُ الشّيءِ بالرّجْلِ ونحوها من أعضاء الجسد.

إنّنا نُلاحظ أنّ هذا مقطعٌ كَلامِيٌّ مُسْتقطعٌ من الماضي، محكيٌّ بصيغته الَّتي قيلت لأيّوبَ - عليه السلام - إبّانَ الحَدثِ الماضي، والذّهنُ يكشف أنّ الله عزّ وجلّ قال لأيّوبَ هذا القولَ، فَوْرَ ندائه رَبَّه: "أَنّي مَسَّنِي الشيطانُ بنُصْبٍ وعذاب" وطوى النصّ بعد ذلك ما فَعَل أيوبُ عليه السلام، من تنفيذ الأمر، وما أكرمَهُ به ربُّه من شفاء، وعطفَ الله عزّ وجلّ على هذا المطويّ قوله:

{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وذكرى لأُوْلِي الألباب} [الآية: ٤٣] .

وعقبهُ مُبَاشرةً جاءَ نَصٌّ كلامِيٌّ مستقطعٌ من أحداث الماضي، محكيٌّ بصيغته التي قيلت لأيّوبَ عليه السلام، إِبّانَ الْحَدَثِ الماضي، فقال الله عزّ وجلّ:

<<  <  ج: ص:  >  >>