وفي تكريرها عقب عرض موجز كلّ قصة من قصص هؤلاء الأقوام إشارةٌ إلى أنَّهم لو تلَقَّوْا ما أنْزِلَ إليهم من ربّهم عن طريق رسُلهم، وتدبّروه، وَوَضَعُوه في ذاكراتهم، وادَّكَرُوه حيناً فحيناً ما عرّضوا أنفسهم للهلاك الشامل المعجّل في الدنيا، وللعذاب الخالد المؤجّل إلى يوم الدّين.
فمن تنبّه إلى هذه الإِشارة من أمّة رسالة محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتّعظ بأحوال الأمم السابقة، فاشتغل بحفظ القرآن الميسّر للذّكر، واشتغل بتدبّر معانيه، وادّكَرَ آياتِهِ حيناً فحيناً عند كلّ مناسبة داعية.
المثال الخامس:
جاء في سورة (الشعراء/ ٢٦ مصحف/ ٤٧ نزول) تكرير عبارة:
ثمانِيَ مرّاتِ، أُولاَهَا جاءَتْ عَقِب بيان تكذيب الذين كذّبوا محمّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به عن ربّه، ثم جاءت كلُّ مرَّةٍ من المرّات الباقيات عقب عرض قصَّةٍ من قِصَصِ المكذّبين الأولين، فكان لكل مرّةٍ منها داعيتها من القصّة التي جاءت قبلها، فإذْ تعَدَّدَ المقتضي حَسُنَ إعادة ذكر العبارة نفسها.
المثال السادس:
كان "عَمْرو بْنُ هِنْدِ" ملكاً في الحيرَة من ملوك العرب، وكان جبّاراً عنيداً، لا يَرَى في الناس من يُدانيه في الشرف والمنزلة، فأراد أنْ يستذلّ الشاعر "عمرو بن كُلثوم" باتّخاذ أُمِّه وصيفةً لأمّه، فثارت الحميّة في قلب عمرو بن كلثوم، فسَلَّ سيفه وضرب الملك فقتله، وقَرَضَ مُعَلَّقته التي جاءت فيها: