فقد تبيَّن لَكَ أنّ ما يُعْطي التجنيس من الفضيلة أمْرٌ لم يَتمَّ إلاّ بنُصْرَةِ المعنى، إذْ لو كان باللّفظ وحده لَمَا كان فيه مُسْتَحَسَن، وَلمَا وُجِدَ فِيه إلاَّ مَعِيبٌ مُسْتَهْجَن، ولذلِكَ ذُمَّ الإِكْثَارُ مِنْهِ والْوُلُوعُ به، وذلك أنَّ المعاني لا تدين في كلّ موضِعٍ لما يَجْذِبُها التجنيس إليه ... ".
وهكذا أعطى "الشيخ عبد القاهر الجرجاني" الجناسَ قيمته، فلم يَبْخَسْهُ حقَّهُ، ولم يَغْلُ فيه.
وقد اعتنى علماء البديع بتقسيم الجناس إلى أنواع، اعتماداً على استقراء الأمثلة، والنظر الفكري في احتمالات التقسيم، إلاَّ أنهم أسرفوا في وضع أسماء لكلّ فرع من فروع أنواعه، وهو أمْرٌ يُرْهِق محلّل النّصوص، ويصْرفه عن تذوُّق الجمال الأدبي، ليهْتَمَّ بالتحليل الآلي، وتذكُّرِ الاسم الخاصّ بكلّ فرع من هذه الفروع، وإنّي أوردها لا لأكلّف الدارس حفظَها وتطبيقها على ما يشرحه من الأمثلة في دراساته الأدبيّة، متذكّراً ما وُضِعَ لكلّ فرع منها من اسم خاصٍّ به، ولكن ليكتشف مدى الدقّة التي كانت لدى علمائنا الأقدمين، فيما قدّموه من دراسات تفصيليّة، وليكون لديه تصوّرٌ عامّ يَسّتَفيدُ منه لدى دراساته للنصوص الأدبيّة.
***
أنواع الجناس وفروعها:
/ قسَّم علماء البديع الجناس إلى ستة أنواع ذوات فروع: