للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبَعْدُ:

(وبعدُ) كلمةٌ يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر،

(وبعدُ) حاصلُ ما ذَكره الشارحُ أنَّه تكلَّم عليها مِن ثلاثةِ أوجهٍ: الأول: فيما تُستَعمل فيه: (يُؤتَى بها للانتقالِ مِن أسلوبٍ الى آخَرَ) أي: بعدَ ما تقدَّم مِن البسملةِ والحمدلةِ والصلاةِ على من ذُكر، فهذا مختصرٌ، فلا يَسوغُ الإتيانُ بها في أوَّل الكلامِ، أي: لا يَليقُ ولا يُستحسنُ، ولا في آخرِه، بل بين كلامَيْن متغايرَيْن، ثمَّ إذا كان بين الكلامَيْن تناسبٌ، سُمِّيَ الانتقالُ مِن الكلامِ الأوَّل للثاني تخلُّصًا (١)، وإذا كان بينهما نَوعُ مناسبةٍ، سُمِّيَ ذلك الانتقالُ اقتضابًا قريبًا من التخلُّص، كما هنا، وإذا لم يكن بينهما مناسبةٌ أصلًا، سُمَّيَ اقتضابًا (٢)، وهو القَطْعُ، سُمِّيَ بذلك؛ لأن المتكلِّمَ قطَعَ الكلامَ الأوَّلَ وأتى بكلامٍ آخرَ مغايرٍ للأوَّل.

الثاني: في حُكمها: بأن الإتيان بها يُسَنُّ؛ للاقتداءِ، بالنبيِّ ؛ لأنَّه كان يَأتي بها في خُطَبه وكُتُبه، كلما ثبت في صحيح الأخبارِ عن الأئمة الأخيارِ، بل رواه عبد القادر الرُّهاويُّ (٣) عن أربعين صحابيًّا، لكن الثابت إنَّما هو إتيانُه بأصلِها وهو "أما بعد" على ما مَشى عليه الشارحُ. وأما "وبعد" فهل الإتيانُ بها سنَّة أيضًا قياسًا؛ لأنَّ ما ثبتَ للأصلِ يثبت لفرعهِ، أو اقتصارًا على ما ورَد، لكن أَتى ابنُ عبدِ الحقِّ كالشارحِ بما يَقتضي التفرقةَ بينهما، حيث


(١) التخلُّص: هو الانتقال ممَّا افتتح به الكلام الى المقصود مع رعاية المناسبة. "موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم" للتهانوي ١/ ٢٩٨.
(٢) الاقتضاب: هو الانتقال ممَّا افتتح به الكلام إلى المقصود من غير مناسبة. "موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم" ١/ ٢٤٥.
(٣) هو: أبو محمد، عبد القادر بن عبد الله بن عبد الله الرُّهاوي الحنبلي، السفّار، من موالي بعض التجار، ولد بالرها، ونشأ بالموصل، كان ثقة حافظًا، راغبًا في الانفراد عن أرباب الدنيا، من مصنفاته: "أربعين البلدان" و"المادح والممدوح". (ت ٦١٢ هـ). "تذكرة الحفاظ" ٤/ ١٣٨٧، "سير أعلام النبلاء" ٢٢/ ٧١. وأورد ابن حجر في "فتح البارى"، ٢/ ٤٠٦ عن الرهاوي أنه أخرج الأحاديث التي وقع فيها: أما بعد. في خطبة كتابه الأربعين المتباينة عن اثنين وثلاثين صحابيًا.