للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محمَّدٍ

(محمَّدٍ)

أُجيب عنها: بأنَّه نَهى عن تفضيلٍ يُؤدِّي إلى تنقيصِ بعضِهم، فإنَّ ذلك كفرٌ، أو تفضيلٍ في نَفْسِ النبوَّة التي لا تَتفاوتُ في ذواتِ الأنبياءِ المتفاوتِين في الخصائصِ، وقد قال تعالى: ﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٥٣] وبأنَّه نَهَى قَبْلَ عِلْمه بأنَّه أفضلُ الخَلْق، ولهذا لمَّا عَلِمَ قال: "أنا سيِّدُ وَلَدِ آدمَ ولا فخرَ" (١) أو أنَّه نَهى؛ تأدُّبًا وتواضعًا؛ ولئلا يؤدِّيَ إلى الخصومةِ، قال ملَّا علي قاري (٢): وتعديتُه بـ "على"؛ لحصولِ الاستعلاءِ، وتَوهَّم بعضُهم أنَّ "على" مطلقًا للضررِ، واللامَ للنفعِ، وليس كذلك، بل هو مختصٌّ بفعلٍ، تارةً يتعدَّى باللامِ، ومرَّةً بـ "على"، كدعا له ودعا عليه، وشَهد له وشَهد عليه، وحَكم له وعليه، لا يُقال: صلَّى بمعنى دعا، فإنَّه لا يَلزم توافقُ المترادفَيْن في التعديةِ، ألَا ترى أنَّه لا يُقال: صلَّى له، مع أنَّ الصلاةَ إنَّما وردتْ بمعنى الدعاءِ بالخيرِ، فزال الإشكالُ مِن أصله.

والسَّيِّدُ: مَن سادَ في قومِه، بمعنى يَفوق قومَه ويَرتفع قَدْرُه، أو مَن كَثُرَ سوادُه، أي: جيشُه، أو مَن تُسرع الناسُ إليه عند الشدائدِ، أو الحَليم الذي لا يَستفزُّه غضبٌ، وعلى الكريمِ، وعلى المالكِ، ولا خفاءَ أن هذه جُمعت فيه .

(محمَّدٍ) بدلٌ مِن "سيِّدنا" مقصودٌ بالذاتِ، والأوَّل توطئةٌ، فاندفَع ما يُقال: إنَّ جَعْلَه بدلًا يقتضي أن يكون المبدَل منه في حُكم الطَّرْح، فيَلزم أن يكونَ إثباتُ السيادةِ غيرَ مقصودٍ أصلًا، إذِ المقصودُ بالذاتِ الصَّلاةُ والسلامُ على محمَّد ، ويجوزُ أن يكونَ عطفَ بيانٍ


(١) تقدم تخريجه ص ١٣.
(٢) هو: نور الدين، علي بن سلطان بن محمد الهروي الحنفي المعروف بالقاري، الفقيه المحدث الأصولي المفسِّر المقرئ، من مصنفاته: "شرح المشكاة"، و"شرح الشمائل"، و "شرح الشفا". (ت ١٠١٤ هـ). "خلاصة الأثر" ٣/ ١٨٥، "معجم المؤلفين" ٢/ ٤٤٦.