للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهي من الله رحمةٌ، ومن الملائكة استغفار،

(وهي مِن اللهِ رحمةٌ) مقرونةٌ بِتعظيمٍ، أي: الصلاةُ مطلقًا، وأمَّا التي في خصوصِ هذا المقام، أعني الصادرةَ مِن المصنِّف، فهي بإحدى المعاني الثلاثة فقط؛ لأنَّها من آدميٍّ، واضح. فمعنى: صلِّ عليه، أي: ارحمْه رحمةً تَليقُ بمقامِه المنيفِ وجَنابِه الشريفِ؛ زيادةً في شَرَفِه، إذ الكاملُ يَقبَلُ الكمالَ، فاندفع ما يُقال: إنَّه أُفرِغت عليه سائرُ الكمالات، فلا يَفتقرُ إلى رحمةٍ، فالجملةُ إنشائيَّةٌ معنًى، خبريَّةٌ لفظًا؛ لأنَّ القصْد بها إيجادُ الصلاةِ.

وأُورد على هذا التعبيرِ بأنَّ الرحمةَ فِعْلُها متعدٍّ، والصلاةَ فِعْلُها قاصرٌ، ولا يَحسُن تفسيرُ القاصرِ بالمتعدِّي؟.

وأُجيب: بأنَّه لا قُبح في تفسيرِ: مررتُ، بـ: جاوزتُ، مع أنَّ الأوَّلَ قاصرٌ، والثاني متعدٍّ.

وتُكرهُ الرحمةُ في حقِّه، وإن كانت بمعنى الصلاةِ، فلا يجوزُ إذا ذُكر النبيُّ أنْ يُقال: ؛ لأنَّ لفظَ الرحمةِ صار شِعارًا لغيرِ الأنبياءِ والملائكةِ ممَّن شَأْنُه أن يَرتكبَ الذنوبَ، فلا يُقالُ: لِمَ جازتِ الصلاةُ دون الرحمةِ، مع أنَّهما بمعنًى واحد (١)؟.

وقوله: (ومن الملائكة استغفار) (٢) أي: دعاءٌ بالمغفرةِ، وجمَع بين الصلاةِ والسلامِ؛ خروجًا مِن الخلاف في كراهةِ إفرادِ أحدِهما عن الآخَر، كالغزاليِّ (٣) والنوويِّ (٤)، وهو سائغٌ عند الإمامِ ابنِ حنبلٍ.


(١) "شرح النووي على صحيح مسلم" ٤/ ١٢٦ بنحوه.
(٢) في الأصل: "الاستغفار". وأخرج البخاري في "صحيحه" عقب الحديث (٤٧٩٦) -تعليقًا- قول أبي العالية: صلاةُ الله: ثناؤه عليه عند الملائكة. وصلاةُ الملائكة: الدعاءُ.
(٣) هو: أبو حامد، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الغزالي. لازم إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدّة قريبة، وله مصنفات كثيرةٌ أهمها: "إحياه علوم الدين"، و"كيمياء السعادة"، و"إلجام العوام"، و"الغاية القصوى" إلى غير ذلك من المصنفات في مختلف العلوم. (ت ٥٠٥ هـ). "طبقات الشافعية الكبرى" ٦/ ١٩١، "سير أعلام النبلاء" ١٩/ ٣٢٢.
(٤) "الأذكار" ص ١٥٧.