أو أنَّ المعنى في البَسمَلِة والحمدَلةِ منحوتان، أي: مأخُوذان منه، ثم إنَّ تقديرَ المضافِ والتأويل المذكوران ليس ضروريًا؛ لأنَّ كلَّ حكمٍ وَرَد على اسمٍ فهو واردٌ على مدلولِه إلا بقرينةٍ.
(تأسِّيًا بالكتابِ) أي: اقتداءً، علَّةٌ للبدَاءةِ مع ذِكْر فائدتِها، وهي حصولُ البركةِ في الشيء. وقوله: "بالكتاب" المفتَتَحِ بهما.
(وعملًا) أي: لأَجل العملِ بحديث … إلخ، لمَّا لم يكن في الكتابِ العزيزِ أمرٌ بالإتيانِ بهما، قال: "اقتداء"، ولمَّا كان ذلك في الحديثِ قال: "عملًا"؛ لأنَّ الاقتداءَ معناه الاتِّباعُ في الفِعْل استحسانًا له مِن غير أن يُؤمَر التابع به، وأمَّا العمل فإنَّه الاتِّباع مع الأَمْرِ، أو ما معناه الأمر، وما هنا من الثاني.
(بحديث: "كلّ أمرٍ") بإضافة حديثٍ إلى ما بعدَه إضافةً بيانيَّة، أو إضافةَ أعمَّ لأخصَّ، وبالتنوين على إبدالِ ما بعدَه، و"كلُّ" بالحكاية على كلِّ حالٍ، وهذا الحديثُ دليلٌ لِكُبْرى قياس يُستدل به على طلبِ الابتداء في هذا التأليفِ، ونحوه، بأنْ نقولَ: هذا التأليفُ أَمْرٌ ذو بالٍ، وكلُّ أمرٍ ذي بالِ يُطلَب فيه الابتداء بالبسملةِ، ينتُج مِن الضَّرْب الأوَّل مِن الشكلِ الأوَّل أنَّ هذا التأليفَ يُطلب فيه الابتداءُ بالبَسمَلةِ، ودليلُ الصغرى المشاهدَة؛ لأنَّ ما في هذا التأليفِ من المسائلِ مشاهدَة الاهتمام به.
واستشكل بعضهم ههنا ما حاصلُه أنَّ الحديث قضيَّةٌ كليَّةٌ تقتضي العمومَ في أفرادِها، ومِن جملةِ أفرادِها البسملةُ، فتحتاج إلى بسملةٍ أُخرى، فيلزم التسلسلُ؟ وأُجيب: بأنَّ البسملة تحصَّل البركةَ لنفسِها ولغيرِها، كالشاةِ مِن الأربعينَ تزكِّي نفسَها وغيرَها، وبأنَّ المرادَ: كلُّ أمرٍ ذي بالٍ ليس وسيلةً إلى غيرهِ، والبسملهُ وسيلهٌ إلي غيرها، ونُقض بالوضوء والتيمم، فإنَّه وسيلةٌ إلى الصلاة مثلًا، ويُطلب الابتداءُ في أوَّله بالبسملة؟.