للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

و"الرحمنِ" صفةٌ في الأصل بمعنى كثيرِ الرَّحمةِ جدًّا، ثم غلبَ على البالغِ في الرَّحمة غايتَها؛ وهو اللهُ تعالى.

و"الرَّحيمِ" ذو الرَّحمةِ الكثيرةِ؛ فالرَّحمنُ أبلغُ منه، وأُتِيَ به؛ إشارةً إلى أنَّ [ما دَلَّ عليهِ] (١) مِن دقائقِ الرَّحمةِ -وإنْ ذُكرَ بعدَ ما دلَّ على جلائلها الذي هو المقصود الأعظم (٢) - مقصودٌ أيضًا؛ لئلَّا يُتوهَّم أنَّه غيرُ ملتَفَتٍ إليه.

وكِلاهُما مشتقٌّ من رَحمَ، بجعله لازمًا بنقلهِ إلى بابِ فعُل -بضم العين- أو بتنزيلهِ منزلةَ اللَّازمِ؛ إذ هما صفتان مشبَّهتان، وهي لا تُشتقُّ مِن متعدٍّ.

(ما دلَّ على جلائِلها) أي: الرحمة كمًّا وكَيفًا.

(من رَحِم) فإن قلتَ: الراجح في الاشتقاقِ أنَّ الفعلَ والصفةَ مشتقَّانِ من المصدرِ، فكيف وكلاهُما مشتقٌّ مِن "رَحِمَ"؟

أُجيب: بأنَّ المرادَ من مادةِ: رَحِمَ، أي: مصدره، دون نفسِه، وهو الرحمةُ، بكسر الحاءِ في الماضي، كغضبانَ مِن مصدرِ غَضِب الذي هو الغضب، صفةٌ مشبَّهةٌ، غايةُ الأمرِ أنَّه اختارَ صيغةَ الماضي على المصدرِ لحكمةِ التنبيه على الحروفِ المعتبَرة في الاشتقاقِ، إذ بعضُ المصادرِ كالخروج والقَبولِ قد تشتمل على حروفٍ لا تُعتبَر فيه، والحاصلُ أنَّ الصفةَ المشبَّهة إنما تُصاغ مِن المصدر أو الفعلِ اللازمِ، و"رحم" ليس واحدًا منها.

(أو بتنزِيله منزلةَ اللازمِ … إلخ) جوابٌ ثانٍ عن سؤال: إِنَّ الصفة المشبَّهة لا تُشتَقُّ إلا مِن لازمٍ، فكيف اشتُقَّتْ مِن متعدٍّ، أعني: رحم، وبذلك يُشعِر كلامُ جَمْعٍ؟ إذ هما صفتانِ مشبَّهتان، لم يقُل: بُنيتا للمبالغةِ، كما فعلَ غيرُه كالقاضي البيضاوي (٣)


(١) فى (ح): "معنى".
(٢) بعدها فى (ح): "وهو".
(٣) هو: ناصر الدين، أبو الخير، عبد الله بن عمر بن محمد، البيضاوي، الشافعي، إمام مفسِّر، عارف =