مانعًا، إلا أن يُقال: إنَّه لبيانِ الموضوعِ، فلا انتقاضَ حينئذٍ بما ذُكر، وذكرُ الوصفين للإشارةِ إلى استجماعِ الذاتِ لجميعِ صفاتِ الكمالِ، وليسا داخلَين في الموضوعِ له، أمَّا الأول؛ فلكونِه أكملَ الصفاتِ وأشهرَها اختصاصًا بجنابِه تعالى، وأما الثاني؛ فلبيانِ سَببِ حصرِ الجنسِ المستفادِ مِن "الحمد لله".
"تنبيه": دلالةُ لفظِ اللهِ على الذاتِ العَليَّة مطابقيَّة لا تضمُّنٌ ولا التزامٌ، ويَرِدُ عليه أنَّ الدلالةَ المطابقيَّةَ تستلزمُ التصوُّر، وتصورُ ذاتِه مستحيلٌ، فلا تكون دلالتُه عليه مطابقيَّةً، وحيئنذٍ فتخرجُ عن الدلالاتِ الثلاثِ؟.
ويجابُ عنه: بأنَّ المرادَ بالتصوُّر هنا مجرَّدُ الشعورِ بوجودِ الذاتِ العليَّة المدلولِ عليها بهذا اللفظِ، لا حصولُها وانتقاشُها وانطباعُها وارتسامُها في الذهنِ، فالمطابقةُ تستلزمُ التصوُّرَ الأعمَّ مِن الحقيقيِّ والمجاز؛ إذ معنى التصوُّر حقيقةً: حصولُ صورةٍ في الذهن. ومجازًا: الشعور بوجود الشيء. فإطلاقُ التصوُّر على الشعورِ مجازٌ مرسَل، علاقتُه المجاوزة؛ لأنَّ الشعورَ وصولُ النفسِ إلى بعضِ المعنى، والتصورَ وصولٌ إلى المعنى بتمامه، والوصولان يتجاوزان، فافهمه. وفيه أنَّ الدلالةَ هي كونُ أمرٍ بحيث يُفهَم منه أمرٌ وإنْ لم يُفهَم بالفعل، فالدلالةُ لا تستلزمُ التصوُّرَ (١).
(للذات) اللامُ بمعنى "على"، أي: على الذاتِ أي: عَلَمٌ على الفردِ الخالقِ للعالَم بقَطْع النظرِ عن الصفات، وإلَّا لَما أفادَ التوحيدَ؛ لأنَّ الصفاتِ كليَّةٌ، وهذا في أصل الوضْعِ، ثم صارَ دالًّا في الاستعمالِ على الصفات؛ نظرًا للوجودِ لا بالوضْع، وتاؤها ليست للتأنيثِ بل للوحدةِ، ولهذا وُصفتْ بالواجبِ الوجود على اللفظِ المذكور، والمراد بها الهويَّة الخارجيَّة لا الحقيقيَّةُ، ولا ما قابَل الصفةَ.
فإن قلتَ: ذاتُه تعالى لا تُدرَك بالعَقْل فكيفَ وُضِعَ لها العَلَمُ؟