للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآن المَتْلُوّ المُثْبَت فِي [المصاحف، المسطور] [١] المكتوب المُوعَى فِي القلوب، فهو كلَام اللَّه لَيْسَ بمخلوق. قَالَ اللَّه تعالي: هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ٢٩: ٤٩ [٢] .

وقال: يقال فُلَان حَسَن القراءة ورديء القراءة. ولا يقال: حَسَن القرآن، ولا رديء القرآن. وإنّما يُنسب إلى العباد القراءة، لأنّ القرآن كلَام الرّبّ، والقراءة فعل العَبْد. وليس لأحدٍ أنْ يشرع فِي أمر اللَّه بغير علم، كما زعم بعضهم أنّ القرآن بألفاظنا وألفاظنا به شيء واحد. والتّلَاوة هِيَ المَتْلُوّ، والقراءة هِيَ المقرئ.

فقيل لَهُ: إنّ القراءة فعل القارئ وعمل التالي.

فرجع وقال: ظننتهما مصدَرْين. فقيل لَهُ: هلَا أمسكت كما أمسك كثيرٌ مِن أصحابك؟ ولو بعثتَ إلى من كَتَب عنك واسترددت ما أثْبَتَّ وضربتَ عَلَيْهِ.

فزعم أنْ كيف يمكن هذا؟ وقال: قلتُ ومضى قولي.

فقيل لَهُ: كيف جاز لك أن تَقُولُ فِي اللَّه شيئًا لَا تقوم بِهِ شرحًا وبيانًا؟ إذ لم تميّز بين التّلَاوة والمَتْلُوّ.

فسكت إذ لم يكن عنده جواب.

وقال أَبُو حامد الأعمش: رأيتُ الْبُخَارِيّ فِي جنازة سعَيِد بْن مروان، والذُّهْليّ يسأله عَنِ الأسماء والكُنَى والعلل، ويمرّ فِيهِ الْبُخَارِيّ مثل السَّهم، فما أتى عَلَى هذا شهر حتّى قَالَ الذُّهْليّ: إلَا من يختلف إلى مجلسه فلَا يأتِنا.

فإنّهم كتبوا إلينا مِن بغداد أنّه تكلّم فِي اللفظ، ونهيناه فلم ينته فلَا تقربوه.

فأقام الْبُخَارِيّ مدّةً وخرج إلى بُخَارى [٣] .

قَالَ أَبُو حامد بْن الشَّرْقيّ: سمعت محمد بْن يحيى الذُّهْليّ يَقُولُ:

القرآن كلَام اللَّه غير مخلوق من جميع جهاته وحيث تصرَّف. فمن لزم هذا استغنى عَنِ اللفظ. ومَن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد كفر وبانت منه امرأته.


[١] في الأصل بياض، والمستدرك من: تاريخ بغداد.
[٢] سورة العنكبوت، الآية ٤٩.
[٣] تاريخ بغداد، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١/ ٦٩، سير أعلام النبلاء ١٢/ ٤٥٥، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢/ ٢٢٩.