وقال أيضا: أرأيت لو رعى الجدبة وترك الخصبة، أكنت معجِّزة؟ قال: نعم. قال: فَسِرْ إذن. ومعنى معجزه: ناسبا إياه إلى العجز.
فالإنسان وإن كان يفعل، فإنما يفعل بقدر الله.
فإن قيل: إذا تقرر ذلك، لزم أن يكون العاصي معذورا بمعصيته؛ لأنه عصى بقدر الله؟
أُجيب: إن احتجاج العاصي بالقدر باطل بالشرع والنظر.
أما بطلانه بالشرع: فقد قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} فهم قالوا هذا على سبيل الاحتجاج بالقدر على معصية الله، فرد الله عليهم بقوله:{كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} ، ولو كانت حجتهم صحيحة ما أذاقهم الله بأسه، وقال تعالى:{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}(الأنعام: ١٤٨) ، وهذا دليل واضح على بطلان احتجاجهم بالقدر على معصية الله، وقال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}(النساء:١٥٦) فأبطل الله الحجة على الناس بإرسال الرسل، ولو كان القدر حجة ما انتفت بإرسال الرسل؛ لأن القدر باق حتى مع إرسال الرسل، وهذا يدل على بطلان احتجاج العاصي على معصيته بقدر الله.
وأما بطلانه بالنظر، فنقول: لو فرض أنه نشر في جريدة ما عن وظيفة مرتبها كذا وكذا، ووظيفة أخرى أقل منها، فإنك سوف تطلب الأعلى، فإن لم يكن، طلبت الأخرى، فإذا لم يحصل له شي منها؛ فإنه يلوم نفسه على تفريطه بعدم المسارعة إليها مع أول الناس.
وعندنا وظائف دينية الصلوات الخمس كفارة لما بينها، وهي كنهر على