المواضعةِ من جهةِ الله سبحانَه؟ فإذا كان هو الممد بالقوةِ التي تتحصل بها، وتصدرُعنها المواضعةُ للخطاب الذي يحصلُ به التفاهمُ فيما بينَهم، كان إمدادُه لهم فهوماً لما يخاطَبهُم به، مغنياً عن اشتراطِ سبقِ مواضعتهم للمخاطبةِ.
وفي الجملةِ والتفصيل: أنَّ جميعَ الفهوم التي صدرتْ عنها المصالحُ، هو الذي أمد الخلقَ بها، فكما أنهُ خلقَ الأشياءَ المنتفعَ بها وألهَم الخلقَ الفهومَ للتسبب إليها، وبلوغِ أغراضِهم ومآربهم منها، هو الذي أنزَل الخطابَ وألهمهَم الفهمَ لمعاني الخطابِ.
فكما لا يشترطُ تقدمُ التجارب على إمدادِ الله سبحانه بمعرفةِ المصالح والتوصلِ إلى الأغراضِ، كذلك لايشترطُ تقدمُ التخاطبِ بينهم على ما ورد إليهم عنهُ من الخطابِ.
وما هذا القولُ من هذهِ الطائفةِ، إلا كقولِ من قَال: بأنَه لا سبيلَ لنا إلى العلمِ بالخطاب من الله سبحانه، إذا لم يسبقْ لنا معرفة له، بمثلها نعلمُ الصوتَ الذيَ نسمعهُ عنة، ولارؤية منّا لهُ مقارنة، نعلم أنّهُ هوَ المخاطِبُ، فلا صلةَ إلى العلم بخطابه. ولا جوابُنا عن هذا القولِ إلا كجوابِنا لهُ -لذلكَ القائِل- وهو: أن في قدرةِ اللهِ سبحانَه، أن يقيمَ لنا من الدلاْئلِ على أنَ الخطابَ خطابهُ، بمثلِ ما دلنا بهِ عليه من الأفعالِ التي لا ينبغي للخلقِ فعلُها من الأفعالِ الخارقةِ، كدك الجبلِ، وإصعاقِ موسى، وقلب العصا ثعباناً. فدل ذلك موسى على أن القائلَ له:{أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[القصص: ٣٠] هو الذي صدر عنه تلك الأفعالُ التي لا تنبغي إلا لله. ودل ما جاء