للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعلمُ في حقِّهِ وحقِّنا: معرفةُ المعلوم على ما هو به، والقدرةُ: صحةُ الفعل، والإرادةُ والمشيئة: صَدْر الأفَعالِ عن قصدهِ إليها، فلما كانَ الغضبُ هو انفعالٌ يدخلُ على النفس، وانشطاطٌ يهجمُ على الطبعِ، فيغلي لَهُ دمُ القلب، والاختبارُ واَلابتلاءُ: تسليطُ ما يُظهِرُ خوافيَ المُبْتَلَى، وكوامنَ أَسرارِهِ؛ بما يسلطُهُ عليهِ المُبْتلِي، كما يُمتحنُ الذهبُ على النارِ، عُلِمَ أنَّهُ ليسَ بصفةٍ لله، وإنَّما هو (١) أمرٌ يعود إلى فعله دونَ وصفِهِ؛ إذِ الحقائق لا تختلف شاهداً وغائباً، فلمَّا لم ينطبق الحدُّ عليه سبحانه، بطلَ دعوى الامتحان حقيقةً عليه، وهي أنه فعلٌ يصدرُ عنهُ يضاهي فعل الممتحنِ.

وأمَّا قولُهم: إنه جعَلَ على أوداجهِ صفيحةَ (٢) حديدٍ أو نحاس تمنعُ من الذبح بعدَ (٣ اضجاعِه للذَبح ٣)، فغير مستقيمٍ على أصولهم؛ لأنَّهُ لا يأمر بمَا لا يطاقُ، وهذا (٣ مما لا يطاق وعندهم لا يحال بين المأمور ٣) وبين المأمور به (٣ بل لا بد من الإقدار ٣) عليه، ولهذا منعُوا من إماته المأمورِ قبل وقت مجيء الفعلِ (٣ ومن تعجيزه ٣)، ومن إِمراضهِ، وكلِّ مانع يحيلُ بينهُ وبين الفعلِ، ويكونُ عندهُم ذلك إغراءً بالمعاصي إنْ أعلمهُ، وتعريضاً بالجهلِ إنْ لَم يعلمهُ.

وأيضاً فماصحَّتْ بهِ الراويةُ من نسخِ ما فرضهُ الله على نبيهِ - صلى الله عليه وسلم - من خمسين صلاةً، ثم استنقصهُ، فنَقَصَهُ إلى خمس صلواتٍ قبلَ وقتِ الفعلِ لها، وكانَ ذلك منهُ لُطفاً وتسهيلاً، وحُكَمُه في السماءِ حكمُهِ في الأرضِ، وما جاَز أنْ يَشرعهُ في السماءِ، جازَ أنْ يأمرَ بهِ في الأرضِ.


(١) في الأصل: "هي"
(٢) في الأصل "صفحة".
(٣ - ٣) طمس في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>