للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل في]

شبهةِ المخالِفِ

[قالو]:، إِنَّ مجيءَ الثاني بما جاءَ به الأولُ لا يفيدُ إلا ما أفادَهُ الأولُ، فكان تبَعاً، والتابع لا يكونُ نبيّا، وإنْ جاءَ بغيرِ ما جاءَ بهِ الأولُ، فذاكَ أمرٌ لا يُخالِفُ فيهِ أحدٌ ممّن يقولُ بالشرائعِ والنُّسوخِ.

فيُقال: قد بَيَّنَا الفائدةَ، وهي إحياءُ الشريعةِ الأُولى، وقد تكون المصلحةُ تجديدَ. نبوةٍ مُذكِّرةٍ بالأولى، ومُسْنِدَةٍ لها، كما كانت المصلحةُ في بعثةِ نبيَّين لمحي عصير واحدٍ لاتَمْنَعُ ذلك، وأنَّهُ كانَ، والسِّيرُ تشهدُ بهِ، وكتابُ اللهِ ينطقُ به، والشرعُ لا يأتي بما لا يجوِّزُهُ العقلُ.

على أنَّه باطلٌ بإبقاءِ النبيِّ الواحدِ زماناً طويلاً؛ لأنَّهُ لا يفيدُ بقاؤُهُ في العامِ الثاني إلأَ ما أفادَ في العامِ الأول، وكذلك المعجزةُ بعدَ المعجزةِ، ما تفيدُ إلاَّ التأكيدَ وتناصرَ الأدلةِ عندَ المكلفين، وكذلكَ مجيءُ الرُّسُلِ بعدَ العقلِ، وإنْ جاؤوا بما يوافقُ العقلَ، لا يقالُ: ما أفاد.

ومنها: أنْ قالوا: عندكم أنَّ العقلَ لا يُبيحُ، ولا يحظرُ، ولا يُوجِبُ، فكيفَ خصَّصتُم هذه المسألةَ بتجويزِ ذلك عقلاً؟!

فيُقال: إنما بيَّنا أن ذلك مما لا يُحِيْلُهُ العقلُ، وعندنا في قضايا العقول تجويزاتٌ وإحالاتٌ، فمهما اختلفَ الناسُ في أنَّ العقول هل تُبيحُ، أو تحظرُ، أو توجبُ؛ فإنهم لا يختلفون أنَّ في العقلِ تجوِيزَ جائزات، وإحالةَ محالاَتٍ، وإيجابَ واجباتٍ، فيما يرجعُ إلى الوجودِ دونَ الأحكامِ، من قولِنا: فناءُ الأعراضِ عقيبَ وجودِهَا واجبٌ في العقلِ، وإيجادُ مثلِ الصانعِ محالٌ في العقلِ، وكذلك رَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>