للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقالُ أيضاً: قد يكونُ التعبُّدُ له بالفعلِ على جهةِ الوجوب هو المصلحةَ، كما يكونُ التعبدُ له ندباً هو المصلحةَ، وقد يكون من المصلحةِ جعلُ ما هو له ندبٌ علينا فرضاً، وجعلُ ما هو عليه فرضٌ علينا ندباً، وقد تكون المصلحة (١) [جعلَ] ما عليه ندب لنا مباحاً، لا واجباً ولا ندباً، أو علينا مَحْظوراً، كما ذكرنا في اختلافِ التعبدات في حق المكلفين بحسب أحوالهم، وقد عُلِمَ ذلك بكونِ كثيرٍ من الأمورِ عليه مفروضةً، وفي حَقِّنا مندوبةً، وعليه محظورةً، ولنا مباحةً.

وأمَّا الثاني، وقولُهم: إنَّ ما فعله حق وصواب، فيجب أن يكون مُتَّبَعاً فيه، فغيرُ (٢) صَحيح ولا لازِمٍ؛ لأنه إنَّما كان حقّاً وصواباً؛ من حيثُ أُمِرَ به سَمْعاً وشرعًاً، وإلا فلا يتهدى العقلُ إلى ذلك، فيجبُ أن لا يكونَ حقَّاً وصواباً في حقنا إلا بدليلٍ سمعي، وهو الطريقُ الذي ثبتَ به كونُه في حقِّهِ حقّاً وصواباً، والتساوي بيننا وبينه غيرُ معلومٍ عقلاً ولا سمعاً، فلا وجه لدعوى كونه في حقِّنا صواباً وحقّاً؛ من حيثُ كان في حَقِّه كذلك.

على أنّا قد اتفقنا أنَّ ما كان حقاً وصواباً في [حق] أحد المُكلَّفينَ، لا يلزم أن يكون حقاً وصواباً في حقِّ المكلَّف الآخر، فصلاةُ الأَمَةِ مكشوفةَ الرَّأْس، وصلاةُ العبدِ يومَ الجُمُعةِ صلاةَ الظُّهرِ، وتركُ الحائضِ للصلَاةِ والصومِ، وصلاةُ المسافر الرُّباعِيَّاتِ من الصلوات المفروضات ركعتين، حقّ كلُّه وصواب، وليسَ ذلك في حقِّ الحُرَّةِ والحرِّ، والطاهرةِ، والمقيمِ حقّاً وصواباً، فلا أفسد من هذه الطريقة،


(١) في الأصل: "مصلحة".
(٢) في الأصل: "غير".

<<  <  ج: ص:  >  >>