للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنَزَّهَ عنه صاحب الشرع، كما لم يَجبْ عليه أن يخاطبَ العربَ بلغةِ الزَّنْج والنَّبَط.

فيقال: ومن الذي أَعْلَمَكَ أننا نمنعُ ذلك حتى جعلتَهُ أصلاً يُسْتَمَدُّ منه الحكمُ؟ وما المانعُ مِن ذلك؟ أَوَما تَعْلَمُ أنَّ الخطابَ الذي ورد إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ورد عربياً؟ وكلّفه البلاغ إلى سائرِ الأمم، فكان ذلك حسناً، وشرطَ تعبيرَه بلغتِهِم ليحصلَ البيانُ لهم في الثاني، وما الذي يمنعُ الخطابَ الصادرَ مِن الحَكيمِ، بأيَّ لغةٍ شاء، بعد أن يشيرَ إلى المخاطَبِ أنَّ الخطابَ له والإشارةَ إليه، حتى بالصوتِ السَّاذَج الممتدِ الذي لا يتَضمَّنُ حروفاً، [و] حتى بالمعجم، ليُفَسرَ ويُتَرجَمَ عنه في ثاني الحال؟

على أنَّ تقبيحكم لذلك لا وجهَ له، لأنَّه توهُّمٌ أنه خاطب بما لا يُفْهَم ليعلم خصوصُه من عمومه، ولعمري إنَّ ذلك بعيدٌ عن عادةِ حكماء المخاطِبين الآمرين الناهين، وليس الأمرُ عندنا كذلك، بل الخطابُ يوجبُ اعتقادَ ما يُبَيِّنُهُ في الثاني، إما جموداً (١) على عمومِه، أو بياناً (٢) لخصوصِه، فيعتقدُ المكلفُ تجويزَ خصوصِ العامِّ بالبيانِ الذي يأتي، وتفسيرِ المجملِ، فالعاقلُ على ثقةٍ من خطاب الله سبحانه بما لا يفهمُه أنه سيفهمه في الثاني، بتخصيص العامِّ، وَتفسيرِ المجملِ، أو بأن يَكِلَهُ إلى اجتهاده، فيقول: أَدِّ من الزرع ما شئتَ، أو سَهُلَ عليك، فذاكَ هو الحقُّ الذي يريدُه، فلا قُبْحَ في ذلك إذاً، ومَن الذي يَسْتَقْبِحُ في عرفِ العقلاءِ خطابَ مُلوكِ العجَمِ للعربِ، والعربِ للعجم بشؤونهم الخطاب المديد؟ ومكاتبة العبراني


(١) في الأصل: "جمود".
(٢) في الأصل: "عموم".

<<  <  ج: ص:  >  >>