للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَتْلِ الجَميعِ جَهْلاً.

وكذلك إذا قالَ: {وآتوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]، لَعَمَّ (١) الجهلُ بالحق كل امرىء، فَلاَ نَدْرِي مَا الحق؛ فَكَانَت الحَاجَةُ إلى البَيَانِ دَاعيةً لنفْي هذا الجَهْلِ، إذِ الجهلُ قبيحٌ، والتَّعْريضُ بالقَبيحِ قبيحٌ.

فذلِكَ الذي أغْنى عَنْ تَقْدِيم القُدْرَةِ والآلَةِ، وَأحْوَجَ إلى تقديمِ البَيَانِ عَن وَقْتِ الفِعْلِ.

قيل: مَنْ آداهُ اللهُ عَقْلاً صَالحاً للتكليف، وعَرفَ ما قَدِ استقرَّ في لُغَةِ العَرَب مِنَ التَّخْصِيص الدَّاخِلِ على العُمُومِ، والتَّفْسِيرِ الوارِدِ بعْدَ الإجْمَال، لاَ يُبَادِرُ باعْتِقَادِ الجَهْلِ؛ لمُبَادَرَةِ (٢) الأمْرِ بالعُمُوم والمُجْمَل، بَلْ يَعْتَقِدُ أنَّهُ عَلَى العُمُومِ مَا لَم يَرِدْ دَليلُ تخصيصٍ، فإن مَنَعْتُمْ من تأخيرِ البيانِ عن الخطابِ إلى وَقْتِ الحَاجَةِ، أو، جَوَّزْتُم مَعَ هذه الحَالِ الجَهْلَ على مَنْ أُزيحَتْ عِلَتُهُ؛ بمعرفةِ اللغة، وصحةِ الخلق، وصحة العقل، فامْنَعُوا مِن تأخيرِ القدرةِ والآلةِ، لتجويزِ جهلِ المكلّفِ؛ بظنِّهِ أنَّه قد كُلِّف ما لا يُطاق، حيث قُدِّمُ الأمرُ له مع إفلاسه حِينَ أُمِرَ من القدرةِ والآلةِ، ولَمَّا لم يُوجبْ ذلكَ اعتقادَ الجهل فيما قَرَّرْنا مِن أنَّه يَعْتَقِدُ العمومَ ما (٣) لم تردْ دَلالةُ التخصيصِ، لم (٤) يحتج أن يُقال له: افْعَل ما لم تَعجَز، وأوجب عَليكُم ما دُمتم


(١) في الأصل: "تعين".
(٢) في الأصل: "مبادرة".
(٣) في الأصل: "مما".
(٤) في الأصل: "ولم".

<<  <  ج: ص:  >  >>