للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللغةِ من حُسْنِ المعاتبةِ على المخالفةِ، على أنا لا نحتاجُ إلى تواترٍ بل الأحادُ في هذا تكفي، وخبرُ الواحدِ المُتَلَقى بالقبولِ تَثبُتُ به مسائلُ الأصولِ عندنا، وليس تَرتقي أصولُ الفقهِ إلى العلمِ (١)، ولذلك لا نُفَسق المخالفين فيها، بل نُخَطئُهم فَنُنْزِلهم في ذلك منزلةَ الفقهاءِ؛ ولأنه يَنْقلِبُ عليهم في قولِهم بالاشتراك، فإنه نوعُ إثباتٍ، والوقف، فإنه مذهبٌ، فلا يخلو أنْ يكون ثَبَتَ بالعقلِ أو النقلِ، ويُساقُ التقسيمُ عليهم مَسَاقَتَهم له عَلَيْنا، فلا يجدونَ فضلاً.

على أنَّا لا نقنعُ بإيقافِ ما ذكروهُ حتى يَرجحَ جوابُنا، فنقول: إن الوقف لا يكونُ عملًا بمقتَضى الاستدعاءِ المطلقِ، وإنما هو لأجلِ استعمالِ اللفظةِ في مواضع تَقَيَّدتْ بقرائنَ، ومواضعَ عُلِم أنه لم يُرَدْ بها الاستدعاءُ، ونحنُ بادرنا إلى القولِ بالإيجاب، لأنا علِمْنا أنهم استدعوا الفعل للِإيجاد، ولا يحصل الِإيجادُ إلا بالإيجاب.

وأمّا تَعَلقُهم بأنَ استعمالَها في الندب أكثرُ، فليس ذلك بدليل على المنعِ من كونها هي الأصلُ في الإِيجاب، ألا ترى أنَّ لفظةَ الوطْءِ حقيقة في الاعتمادِ بالقدم، واستعمالُها فيَ المباضَعةِ والجماعِ أكثرُ، وكذلك الغَائِطُ اسم للأرضَ اللينةِ، واستعمالُها (٢) في الخارج أكثر، وإن كان ذلك مجازاً في الخارجِ.


(١) وقد ذهب إلى قطعية مسائل الأصول عددٌ من المتكلمين، كالجويني والغزالي والأنباري، وغيرهم، وقد تبعهم في هذا الشاطبي.
(٢) في الأصل: "واستعمال".

<<  <  ج: ص:  >  >>