من التجوز، وهو نقل غريب، انتهى.
[حديث: مواقيت الصلاة وفضلها]
٥٢١ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن مَسْلَمَة)؛ بفتحات: هو القعنبي المدني (قال: قرأت على مالك) هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن ابن شهاب) هو محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني: (أنَّ) بفتح الهمزة (عمر بن عبد العزيز) هو ابن مروان الأموي، أمير المؤمنين، وأحد الخلفاء الراشدين المهديين، ويقال له: الأشج، ولُقِّب بذلك؛ لِشَجَةٍ كانت بجبينه، وقد عُبِّر عنه وعن يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بقولهم: الأشج والناقص أعدلا بني مروان؛ أي: عادلاهم، فالأشج: هو عمر رضي الله عنه، والناقص: هو يزيد، لقب به؛ لأنَّه نقص أرزاق الجند، توفي عمر في خامس وعشرين رجب سنة إحدى ومئة، قيل: بدير سمعان بحمص، وقيل: بدمشق بمحلة القنوات، وتقدم أول كتاب (الإيمان)، (أخَّر الصلاة يومًا) : هي صلاة العصر، كما رواه المؤلف في (بدء الخلق) من طريق اللَّيث عن ابن شهاب قال: (أخَّر العصر شيئًا)، ويدلُّ عليه قول عروة الآتي: (ولقد حدثتني عائشة...)؛ الحديث.
قال إمامنا الشَّارح: و (يومًا)؛ بالتنكير ليدلَّ على التقليل، ومراده: يومًا ما، لا أن ذلك كان سجيته؛ كما كانت ملوك بني أمية تفعله لا سيما العصر، فقد كان الوليد بن عقبة يؤخرها في زمن عثمان رضي الله عنه، وكان أبو مسعود ينكر عليه، وقال عطاء: أخَّر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى، وكذا كان الحجاج يفعله، انتهى، وكذلك قال ابن عبد البر: إن عمرما فعل ذلك إلا يومًا لا أنَّه عادته، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن شهاب: أنَّه أخَّر الصلاة مرَّة يعني: العصر.
وزعم ابن حجر أنَّه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد، وكذا عمل المغيرة وغيره من الصَّحابة، انتهى.
قلت: لا يخفى أن المغيرة وعمر وغيرهما من الصَّحابة كانوا يرون المفاضلة؛ لأنَّهم أشدُّ اتباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والظنُّ بهم خلاف ذلك افتراء ومخالفة للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولكن إنَّما تطلب المفاضلة إذا كان الرجل غير مشغول بأمر مهم، أمَّا المشغول بأمور مهمَّة؛ كمعاشه والسعي على عياله، لا سيما عمر رضي الله عنه؛ فإنَّه مشغول بأمور المسلمين وتدبير أحوالهم؛ فلا ريب أن ذلك غير مطلوب في حقه؛ لأنَّ درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح؛ فافهم.
ثم قال إمام الشَّارحين: وأمَّا عمر بن عبد العزيز؛ فإنَّه قد أخَّرها عن الوقت المستحب المُرغَّبِ فيه لا عن الوقت، ولا يعتقد ذلك فيه؛ لجلالته، وإنكار عروة عليه إنَّما وقع؛ لتركه الوقت الفاضل الذي صلى فيه جبريل عليه السَّلام، وما رواه الطَّبراني عن ابن شهاب في هذا الحديث قال: (دعا المؤذن لصلاة العصر، فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل أن يصلِّيها)، فمعناه: أنَّه قارب المساء لا أنَّه دخل فيه، انتهى، وكذلك قال ابن عبد البر: المراد: أنَّه أخَّرها حتى خرج الوقت المستحب، لا أنَّه أخرها حتى غربت الشمس، انتهى.
وزعم العجلوني أن هذا متعين في حق الصَّحابة بخلاف غيرهم؛ فلا مانع أن عمر أخرها حتى خرج الوقت بالكلية لا سيما وهو كان أميرًا على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك، والناس على دين ملوكهم، وكان ذلك عادة بني أمية، انتهى.
قلت: وهذا كلام فاسد الاعتبار؛ فإن عمر رضي الله عنه قد أجمع العلماء على عدالته وجلالته وعلو قدره، وقد شهد النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصَّحيح: أن خير القرون قرنه ثم الذين يلونهم، فلا ريب أن عمر تابعي كان في عصر الصَّحابة، وقد شهد لهم عليه السَّلام بالخيرية، فكيف يظن به ذلك؟! على أنَّه قد وقع عليه نظر الصَّحابة رضي الله عنه، وبه كفاية، فقد منع مما زعمه هذا القائل موانع، ولا يلزم من كونه أميرًا من قبل الوليد أن يكون يؤخر الصلاة عن وقتها مثله، ألا ترى أن معاوية بن يزيد قد أجمعت الأمة على فضيلته، وعلو درجته، وكثرة عبادته، وزهده، وأجمعت على قبح أبيه ولعنه وطرده، وكون الناس على دين ملوكهم؛ هذا ليس بحديث، بل هو مَثَلٌ جارٍ على ألسنة الناس، فلو كان كما ذكر؛ فقد انتفت الخيرية في هذه الأمة، وقد أثبتها النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله: «الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة»، كما ثبت في «الصَّحيحين»، ولا يلزم من كون عادة بني أمية تأخير الصلاة أن يكون هو مثلهم، ويدل على ما قلناه قوله هنا: (يومًا)، وفي «بدء الخلق» : (شيئًا)، فإنَّه قد أتى بهما بالتنكير وهو يدل على التقليل؛ فعلى الأولى أن التأخير وقع مرة واحدة، وعلى الثانية وقع يسيرًا؛ لقوله: (شيئًا)؛ يعني: أخَّر الصلاة تأخيرًا يسيرًا، وهذا لا يبلغ خروج الوقت، بل أخَّرها عن الوقت المستحب، هذا هو الصَّواب، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم؛ فإنَّه قد كان سالكًا مسلك جدِّه من الأمهات عمر بن الخطاب في هديه، ورشده، وشدته في الدين، وزهده المتين، ولم ينقصه أحد في عبادته غير هذا القائل، فقد زاد في الطنبور نغمات ووقع في الهفوات، وخاض الذلات، اللهم احفظ ألسنتنا عن الخوض في عبادك الصالحين، وارزقنا الأدب في حقهم، وحقق في قلوبنا حبهم يا أرحم الراحمين.
وزعم ابن حجر في باب (تضييع الصلاة) أنَّه كان على طريقة أهل بيته حتى أخبره عروة بذلك، انتهى.
قلت: وهذا فاسد وواهٍ؛ لأنَّه مقول بغير دليل ولا مستند؛ فهو مردود؛ لأنَّه من أين علم ذلك؟ فهل أخبره بذلك جبريل أو إبليس؟! وعمر رضي الله عنه إذا غفل عن قول عروة لم يغفل عن قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨]؛ فإنَّه كان أعلم من غيره بكثير في معاني القرآن والسنة، فهذا القائل قد خاض ووقع في الذلات، والله أعلم.
(دخل عليه) أي: على عمر رضي الله عنه (عُروة بن الزُّبير)؛ بِضَمِّ العين في الأول والزاي في الثاني: هو ابن العوام المدني، (وأخبره أن المُغيرة بن شُعبة)؛ بِضَمِّ الميم والشين المعجمة، الصَّحابي الجليل تقدم في آخر (الإيمان) (أخر الصلاة يومًا) هي العصر، كما رواه عبد الرزاق، والمراد: أنَّه أخرها عن وقتها المستحب المرغب فيه لا أنَّه أخرها حتى غربت الشمس، ويدل عليه قوله: (يومًا)، فإنَّه نكَّره، والتنكير يدل على الندرة والمرة الواحدة، وقوله: (أخر)، فإنَّه يدل على ما قلنا؛ لأنَّه لو كان المراد الثاني؛ لقال: أخرج، وهذا يدل لما قدمناه أيضًا؛ فليحفظ، (وهو بالعراق) : جملة اسمية وقعت حالًا من المغيرة مقرونة بالواو، وكان المغيرة إذ ذاك أميرًا على الكوفة من قبل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، والمراد به: عراق العرب؛ وهو من عبادان إلى الموصل طولًا، ومن القادسية إلى حلوان عرضًا، وفي رواية القعنبي وغيره عن مالك: (وهو بالكوفة)، وكذا أخرجه الإسماعيلي، والكوفة من جملة العراق العربي، كذا قرره إمامنا الشارح، قلت: فالتعبير (بالكوفة) أخص من التعبير (بالعراق)؛ لأنَّها من جملته، وقال في «القاموس» : سميت بها؛ لتراسخ عراق النخل والشجر فيها، أو لأنَّه استكفى أرض العرب، أو سمي بعراق المزادة؛ لجلدة تجعل على طرفي ملتقى الجلد إذا خرز في أسفلها؛ لأنَّ العراق بين الريف والبر، أو لأنَّه على عراق دجلة والفرات؛ أي: شاطئهما، أو معرب (إيران) اسم لشهر قبطي؛ ومعناه: كثرة النخل والشجر، والعراقان: الكوفة والبصرة، انتهى.
(فدخل عليه) أي: على المغيرة بن شعبة (أبو مسعود) هو كنية عقبة بن عمرو البدري الأنصاري الصَّحابي، تقدم في آخر (الإيمان)، (فقال) أي: أبو مسعود (للمغيرة) أي: ابن شعبة المذكور: (ما هذا) استفهام توبيخي؛ أي: أي شيء هذا التأخير الذي وقع منك (يا مغيرة؟)، وقوله: (أليس قد علمت) : قال إمامنا الشَّارح: الرواية وقعت هكذا: (أليس)، وكان مقتضى الكلام أن يقول: (ألست)؛ بالخطاب، قال القشيري: الرواية جائزة إلا أن المشهور في الاستعمال: (ألست)؛ بالخطاب، انتهى، وقال البرماوي: الأفصح (ألست)، وزعم ابن حجر كذا الرواية وهو استعمال صحيح، لكن الأكثر في الاستعمال في مخاطبة الحاضر: (ألست)، وفي مخاطبة الغائب: (أليس)، انتهى، ونحوه للزركشي، وإمامنا الشَّارح لم يفصل هذا التفصيل، وقد علمت عبارته، فما زعمه العجلوني فاسد الاعتبار؛ فافهم.
واعترض صاحب «المصابيح» على ابن حجر بأنَّه يوهم جواز استعمال (١) هذا التركيب مع إرادة أن يكون ما دخلت عليه ضمير المخاطب، وليس كذلك، بل هما تركيبان مختلفان، وليس أحدهما بأفصح من الآخر، فإنَّه يستعمل كل منهما في مقام خاص، فإن أريد إدخال (ليس) على ضمير المخاطب؛
(١) في الأصل: (الاستعمال)، ولعل المثبت هو الصواب.