فالترجمة صحيحة، والموهم واهم، انتهى.
وزعم ابن حجر (أن قوله: «ماتت في بطن»؛ أي: بسبب بطن؛ يعني: الحمل)، ثم قال ما قاله التيمي، وأجاب عنه بما أجاب به الكرماني، ونسب الجواب لنفسه.
قلت: وهذا دأبه في جميع كتبه يذكر السؤال والجواب لغيره، وينسبه لنفسه، وكل ما ذكروه غير ظاهر، بل الظاهر ما قاله إمام الشارحين؛ حيث قال: (قلت: لقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون من سمرة حديثان؛ أحدهما: في التي ماتت في بطن، والآخر: في التي ماتت في نفاسها، ويكون الموهم في استعمال معنى الحديث الثاني الذي قاله التصريح بالنفاس في معنى الحديث الأول الذي فيه التصريح بالبطن) انتهى كلامه رحمه الباري.
(فصلى عليها النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وأصحابه الكرام، (فقام) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (وسطها) يعني: قام محاذيًا لوسطها، قال في «عمدة القاري» : (وقد ذكرنا الفرق بين الوسْط بالسكون، والوسَط بالتحريك)، وجاء ههنا كلامه، وضبطه ابن التين: بفتح السين المهملة، وضبطه غيره: بالسكون، وفي رواية الكشميهني: (فقام عند وسطها)، فمن اختار الفتح؛ يقول: إنَّه اسم، ومن اختار السكون؛ يقول: إنَّه ظرف، ولا يقال بالسكون إلا في متفرق الأجزاء؛ كالناس والدواب، وبالفتح فيما كان متصل الأجزاء كالدَّار، انتهى.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وفيه دليل على أن الإمام يقوم من المرأة بحذاء وسطها، واختلف العلماء في ذلك؛ فروى الإمام الحسن عن الإمام الأعظم: أنَّه يقوم من الرجل والمرأة بحذاء صدرهما، وهو أحسن مواقف الإمام، كذا في «مبسوط» شيخ الإسلام، وهو اختيار الحافظ الطحاوي وهو المختار، وبه قال أحمد ابن حنبل، وسفيان الثوري، وهو قول الطبري من الشافعية، واختاره الغزالي، والصيدلاني، وروي عن الإمام الأعظم: أنَّه يقوم بحذاء وسط المرأة وهو قول إبراهيم النخعي، وروي عن الإمام الأعظم أيضًا: أنَّه يقوم بحذاء وسط الرجل، وعند رأس المرأة، وهو قول مالك، وابن أبي ليلى، وهو قول المحاملي من الشافعية، وروي عن أحمد: أنه يقوم من المرأة بحذاء وسطها، ومن الرجل بحذاء صدره، وسيأتي مزيد كلام لذلك في (الجنائز) إن شاء الله تعالى.
(٣٠) [باب...]
هذا (بابٌ)؛ بالتنوين، قال في «عمدة القاري» : أي: هذا باب، إن قرئ بالتنوين، وإلَّا؛ فبالسكون؛ لأنَّ الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، ولمَّا كان حكم الحديث الذي هو في هذا الباب خلاف حكم الحديث الذي قبله؛ فصل بينهما بقوله: (باب)، ولكنَّه ما ترجم له، وهذا في رواية الأصيلي، ورواية غيره لم يذكر لفظ (باب)، بل أدخل حديث ميمونة الآتي في الباب الذي قبله، ولمَّا كان لفظ (باب) كالفصل عمَّا قبله؛ فلا يحتاج إلى ذكر ترجمة؛ لأنَّه ذكره مجردًا، ووجه مناسبة ذكر حديث ميمونة في هذا الباب التَّنبيه، والإشارة إلى أنَّ ثوب الحائض والنفساء طاهرة؛ لأنَّ ثوب النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصيبه ثوب ميمونة إذا سجد وهي حائض ولا يضره ذلك؛ فلم يمتنع منه عليه السلام.
[حديث ميمونة: أنها كانت تكون حائضًا لا تصلي وهي مفترشة]
٣٣٣ - وبالسَّند إليه قال: (حدثنا الحَسين) بفتح الحاء المهملة (بن مُدرك)؛ بضمِّ الميم، من الإدراك أبو علي السدوسي الحافظ الطحان البصري (قال: حدثنا يحيى بن حمَّاد) هو الشيباني ختن أبي عوانة المتوفى سنة خمس عشرة ومئتين (قال: أخبرنا أبو عَوانة) بفتح العين المهملة، هو الوضاح اليشكري (من كتابه) قيَّد بذلك؛ إشارة إلى تقوية ما روي عنه، قال أحمد ابن حنبل: (إذا حدث أبو عوانة من كتابه؛ فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه؛ ربَّما وهم)، وقال أبو زرعة: (أبو عوانة ثقة إذا حدث من الكتاب)، وقال ابن مهدي: (كتاب أبي عوانة أثبت من هشيم)، (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا) (سليمان الشيباني) هو ابن أبي سليمان فيروز أبو إسحاق الشيباني، (عن عبد الله بن شدَّاد) بالشين المعجمة، ودالين، هو ابن الهاد (قال: سمعت خالتي مَيْمُونة) بفتح الميم الأولى، وضمِّ الثانية، بينهما تحتية ساكنة، هي بنت الحارث (زوج النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) فهي خالة عبد الله بن شدَّاد؛ لأنَّ أمَّه سلمى بنت أبي عميس أخت ميمونة لأمِّها: (أنها) أي: ميمونة (كانت تكون) فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون أحد لفظي الكون زائدًا، كما في قوله:
وجيران لنا كرام.........
فلفظ: (كانوا) زائدًا، و (كرام)؛ بالجر صفة لـ: (جيران).
الثاني: أن يكون في (كانت) ضمير القصة، وهو اسمها وخبرها.
والثالث: أن يكون لفظ (يكون) بمعنى: يصير في محل نصب على أنها اسم (كانت)، ويكون الضمير في (كانت) راجعًا إلى ميمونة، وهو اسمها.
وقوله: (حائضًا) في محل النصب خبر (يكون) التي بمعنى: تصير، وقوله: (لا تصلي) جملة مؤكِّدة لقوله: (حائضًا)، كذا أعربه إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»، وأعرب الكرماني (لا تصلي) صفة لـ (حائضًا) في وجه، وفي وجه إعرابه حالًا، وأعرب (لا تصلي) خبرًا لـ (كانت)، قال إمام الشارحين: (وهو خلاف التحقيق، والتحقيق ما ذكرناه) (وهي مفترشة) جملة اسمية وقعت حالًا، يقال: افترش الشيء: انبسط، وافترش ذراعيه: بسطهما على الأرض (بحِذاء)؛ بكسر الحاء المهملة، وبالمد بمعنى: وراءه (مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: موضع سجوده من بيته، وليس المراد منه: المسجد المعروف المعهود، قاله إمام الشارحين، وكذا غيره من الشراح، وتعقبهم صاحب «المصابيح» بأنَّ المنقول عن سيبويه أنَّه إذا أريد موضع السجود؛ قيل: مسجَد؛ بالفتح فقط (وهو يصلي) جملة حالية (على خُمْرته)؛ بضمِّ الخاء المعجمة، وسكون الميم، وهي سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل تنسج بالخيوط سميت بذلك؛ لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها، وإذا كانت كبيرة؛ سميت حصيرًا، (إذا سجد؛ أصابني بعض ثوبه) جملة من الفعل والفاعل والمفعول محلها النصب على الحال، وقد عُلِمَ أنَّ الجملة الفعلية الماضية المثبتة إذا وقعت حالًا؛ تكون بلا واو؛ فافهم.
وزعم القسطلاني أنَّ هذا حكاية لفظها، وإلا فالأصل أن تقول: أصابها الثوب.
قلت: وفيه نظر لا يخفى، ولم يذكر ترجمة لهذا الحديث؛ لأنَّه ذكر قوله: (باب) كذا مجردًا؛ لأنَّه بمعنى: فعل؛ لا يحتاج إلى ذكر شيء، وأمَّا على الرواية التي يذكر فيها لفظ (باب)؛ فوجهه ما ذكرناه الآن، كذا قاله