بشيء يعبأ به؛ فافهم.
(أَن) بفتح الهمزة (نساء) بالتنكير في أكثر الروايات، وفي رواية بالتعريف، والأول أعم، والمراد من التعريف: العهد، وهو نساء الصحابة رضي الله عنهنَّ، أفاده إمام الشارحين (يدعون) بلفظ الجمع المؤنث، ويشترك في هذه المادة الجمع المذكر والمؤنث، وفي التقدير يختلف، فوزن الجمع المذكر: يفعون، ووزن الجمع المؤنث: يفعلن، أفاده في «عمدة القاري» (بالمصابيح) : جمع مِصباح -بكسر الميم-؛ وهو النور في الوعاء؛ والمعنى: يطلبن المصابيح (من جوف)؛ أي: وسط (الليل) أي: في جوفه، فـ (من) بمعنى في؛ لأنَّ حروف الجر يستعار بعضها لبعض (ينظرن) أي: بالمصابيح (إلى) ماء الكراسيف حتى يقفن على ما يدل على (الطهر) أي: من القطنة، وفي رواية الكشميهني: (يدعين)، زعم ابن حجر أن في نسبة هذا إليه نظر لا يخفى، وقال صاحب «القاموس» : (تكلم فيه) انتهى.
قلت: انظر إلى هذا الكلام المتناقض، ونظر هذا القائل مردود عليه، فإن توجيه هذه الرواية ممكن بأن يكون المراد كل فرد من أفراد النساء تدعى المصباح؛ لتنظر إلى الطهر، على أن أصل تدعين تدعون، كما هو مقرر في كتب التصريف؛ فافهم.
(فقالت) أي: أم سعد بنت زيد لهنَّ: (ما كان النساء) أي: الصحابيات (يضعن هذا) أي: طلب المصابيح؛ لينظرن إلى الطهر في جوف الليل، (وعابت) أي: أم سعد المذكورة (عليهنَّ) أي: على النساء المذكورة، وهذا يعين رواية التنكير، وأن المراد: الأعم؛ فافهم، قال إمام الشارحين: (وإنما عابت عليهن؛ لأنَّ ذلك يقتضي الحرج وهو مذموم، وكيف لا وجوف الليل ليس إلا وقت الاستراحة؟! أو لكون ذلك كان في غير وقت الصَّلاة، وهو جوف الليل) انتهى.
وزعم ابن حجر أن فيه نظر؛ لأنَّه وقت العشاء، ورده صاحب «عمدة القاري» إمام الشارحين، حيث قال: (قلت: فيه نظر؛ لأنَّه لم يدل شيء أنه كان وقت العشاء؛ لأنَّ طلب المصابيح لأمر غالبًا لا يكون إلا في شدة الظلمة، وهي لا تكون إلا في جوف الليل)، وروى البيهقي من حديث عباد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرة عن عائشة: (أنها كانت تنهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهنَّ ليلًا في الحيض، وتقول: إنها قد تكون الصفرة والكدرة)، وعن مالك: لا يعجبني ذلك، ولم يكن للناس مصابيح، وعنه: (أنهن كن لا يقمن بالليل) انتهى كلامه
قلت: ونظر ابن حجر غير وارد، وهو مردود عليه؛ لأنَّ المقصود من عيبها عليهن ليلًا؛ لوجود الظلمة التي تؤدي إلى اختلاف ألوان الدم وليس هو؛ لكون الوقت وقت العشاء، يدل لهذا حديث عائشة الذي ذكره إمام الشارحين، فإنه بيَّن فيه أن علة ذلك خوف عدم بيان الصفرة والكدرة، وكأن ابن حجر لم يطلع على حديث عائشة فقال ما قال؛ فافهم.
وفي «عمدة القاري» : (وقال صاحب «التوضيح» : يشبه أن تكون ابنة زيد عابت على النساء كان في أيام الصوم لينظرن الطهر لنية الصوم؛ لأنَّ الصَّلاة لا تحتاج لذلك؛ لأنَّ وجوبها عليهن إنَّما يكون بعد طلوع الفجر.
واختلف الفقهاء في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر، ولا تغتسل حتى يطلع الفجر؛ فقال الإمام الأعظم رأس المجتهدين رضي الله عنه: إن كانت أيامها أقل من عشرة؛ صامت وقضت، وإن كانت عشرة؛ صامت ولم تقض، وقال مالك، والشافعي، وأحمد: هي بمنزلة الجنب تغتسل وتصوم، ويجزئها صوم ذلك اليوم، وعن ابن الماجشون: يوم ذلك يوم فطر، وقال الأوزاعي: تصومه وتقضيه، وفي «القواعد» لابن رشد: اختلفوا في علامة الطهر؛ فقال قوم: إن علامته القصة أو الجفوف، وقال ابن حبيب: سواء كانت المرأة من عادتها أن تطهر بهذه أو بهذه، وفرق قوم فقالوا: إن كانت ممن لا تراها؛ فطهرها الجفوف، وقال ابن حبيب: الحيض أوله دم، ثم يصير صفرة، ثم تُربيَّة، ثم كدرة، ثم يكون ريقًا كالقصة؛ ثم ينقطع، فإذا انقطع قبل هذه المنازل وخفي أصلًا؛ فذلك إبراء الرحم، وفي «المنصف» : عن عطاء: الطهر الأبيض: الجفوف الذي ليس معه صفرة ولا ماء، الجفوف الأبيض، وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: وسئلت عن الصفرة اليسيرة، فقالت: اعتزلن الصَّلاة ما رأين ذلك حتى لا ترين إلا لبنًا خالصًا) انتهى.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم، إنَّه تواب كريم.
[حديث: ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة]
٣٢٠ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن محمَّد) هو المسندي (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عيينة، لا يقال: إنه الثوري؛ لأنا نقول: إن المسندي هذا لم يسمع من الثوري، بل من ابن عيينة، فهو المتعين، (عن هشام) هو ابن عروة، (عن أبيه) هو عروة بن الزبير بن العوام، (عن عائش) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما: (أن فاطمة بنت أبي حُبَيْش) بضمِّ الحاء المهملة، وفتح الموحدة، وسكون التحتية، آخره شين معجمة (كانت تُستحاض)؛ بضمِّ المثناة الفوقية أوله، مبينًا للمفعول؛ أي: يستمر معها الدم، (فسألت النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: عن دم الاستحاضة ما حكمه؟ (فقال) عليه السلام لها: (ذلكِ)؛ بكسر الكاف (عِرْق)؛ بكسر العين المهملة، وسكون الراء المهملة، يسمى بالعاذل، (وليست بالحَيضة) بفتح الحاء المهملة وبكسرها، (فإذا أقبلت الحيضة) عليك؛ (فدعي الصَّلاة) أي: أيام الحيض، (وإذا أدبرت) أي: انقطع دم الحيض، وهذا محل مطابقة الحديث للترجمة في قوله: (فإذا أقبلت) و (إذا أدبرت)، وهذا الحديث قد سبق في باب (غسل الدم)، ولفظه هناك: «فإذا أدبرت؛ فاغسلي عنك الدم وصلي»، من غير إيجاب الغسل، وقال عروة: (ثم توضئي لكل صلاة)؛ بإيجاب الوضوء، وههنا قال: (فاغتسلي وصلي) بإيجاب الغسل؛ لأنَّ أحوال المستحاضة مختلفة، فيوزع عليها، أو نقول: إيجاب الغسل والتوضؤ لا ينافي عدم التعرض لهما، وإنما ينافي التعرض لعدمهما، وقوله: (فاغتسلي وصلي) لا يقتضي تكرار الاغتسال لكل صلاة، بل يكفي غسل واحد، ولا يرد عليه حديث أم حبيبة كانت تغتسل لكل صلاة؛ لأنَّها لعلها كانت من المستحاضات التي يجب عليها الغسل لكل صلاة، أو لعلها كانت تفعله تطوُّعًا؛ لأنَّه ليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، أفاده إمام الشارحين، وقد سبق هذا الحديث في باب (الاستحاضة) أيضًا، وتقدم الكلام عليه مستوفًى، فلا حاجة إلى الإعادة، والله أعلم.
(٢٠) [باب: لا تقضي الحائض الصلاة]
هذا (بابٌ)؛ بالتنوين (لا تقضي الحائض) : ومثلها النفساء (الصَّلاة) أي: المفروضة، وإنما قال: لا تقضي الصَّلاة، ولم يقل: تدع الصَّلاة، كما في حديث جابر وأبي سَعِيْد؛ لأنَّ عدم القضاء أعم وأشمل، والمناسبة بين البابين من حيث إن في الباب الأول ترك الصَّلاة عند إقبال الحيض، وهذا الباب فيه كذلك، أفاده إمام الشارحين، (وقال جابر بن عبد الله) كذا في أكثر الروايات، وسقط لفظ: (ابن عبد الله) في رواية، (وأبو سَعِيْد) بكسر العين المهملة؛ هو الخدري رضي الله عنهما، (عن النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: (تدع) أي: الحائض، وكذا النفساء (الصَّلاة) : قال إمام الشارحين: مطابقة هذا التعليق للترجمة من حيث ترك الصَّلاة، فإنه يستلزم عدم القضاء؛ لأنَّ الشارع أمر بالترك، ومتروك الشرع لا يجب فعله، فلا يجب قضاؤه إذا ترك.
أما التعليق عن