للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو لحاف، أو قناع).

وفي «المغيث» : (وقيل: اللفاع: النطع، وقيل: الكساء الغليظ).

وفي «الصحاح» : (لفع رأسه تلفيعًا: غطاه)، كذا في «عمدة القاري».

(في مروطهن) المروط: جمع مِرط؛ بكسر الميم، قال القزاز: (المرط: ملحفة يتزر بها، والجمع أمراط ومروط)، وقيل: يكون المرط كساء من خز، أو صوف، أو كتان.

وفي «الصحاح» : (المِرط بالكسر)، وفي «المحكم» : (وقيل: هو الثوب الأخضر)، وفي «مجمع الغرائب» : (أكيسة من شعر أسود)، وعن الخليل: (هي أكيسة معلمة)، وقال ابن الأعرابي: (هو الإزار).

وقال النضر بن شميل: (لا يكون المرط إلا درعًا، وهو من خز أخضر، ولا يسمى المرط إلا أخضر، ولا يلبسه إلا النساء).

وقال عبد الملك في «شرح الموطأ» : (هو كساء صوف رقيق خفيف مربع، كان (١) النساء في ذلك الزمان يتزرن به ويتلففن)، كذا قاله الشَّارح.

(ثم يرجعن) يعني: يصلين مع النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم صلاة الفجر، ثم يرجعن من المسجد (إلى بيوتهن)؛ أي: بيوت أزواجهن، فالإضافة فيه من حيث سكناهن في البيوت، ويحتمل أنه على الحقيقة، لكن الظاهر الأول؛ لأنَّ السكنى على الزوج شرعًا من جملة النفقة الواجبة عليه لها (ما يعرفهن أحد)؛ أي: من الغلس، كما عند المؤلف في (المواقيت) وفي «سنن ابن (٢) ماجه» : (يعني من الغلس)، وعند مسلم: (ما يعرفن من الغلس)، وعدم معرفتهن يحتمل أن تكون لبقاء ظلمة من الليل، أو لتغطيتهن بالمروط غاية التغطي، وقيل: معناه ما يعرف أعيانهن، وهذا بعيد، والأوجه فيه أن يقال: ما يعرفهن أحد؛ أي: أنساء هن أم رجال؟ وإنما يظهر للرائي الأشباح خاصة، كذا قاله إمام الشَّارحين، ثم قال: ووجه مطابقة الحديث للترجمة في قوله: (متلفعات في مروطهن)؛ لأنَّ المستفاد منه صلاتهن في مروط، والمرط: ثوب واحد، ففي الحديث أن المرأة إذا صلت في ثوب واحد بالالتفاع؛ جازت صلاتها، وهو الذي ترجم له؛ لأنَّه استدل به على ذلك.

فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون التفاعهن في مروطهن فوق ثياب أخرى، فلا يتم له الاستدلال به؟

قلت: الحديث ساكت عن هذا بحسب الظاهر، ولكن الأصل عدم الزيادة على ما أشار إليه؛ على أنه لم يصرح بشيء، واختياره يؤخذ في عادته من الآثار التي يترجم بها، انتهى كلامه، وتبعه ابن حجر وغيره.

قلت: ولا ريب أن الأصل عدم الزيادة، والتفاعهن في مروطهن فوق ثياب أخرى قول بعيد؛ لأنَّه لم يكن عند النساء وكذا الرجال إلا ثوب واحد، يدل عليه حديث أبي هريرة الذي تقدم في باب (الصلاة في القميص)، وفيه: قام رجل إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: «أَوَكلكم يجد ثوبين؟»؛ يعني: لا يجد كل واحد منكم ثوبين ونحوه عند الحافظ الطحاوي والطبراني، فهذا إخبار عما كان يعلمه عليه السَّلام من حالهم في العدم وضيق الثياب؛ والمعنى: أنه ليس لكل واحد منكم ثوبان، وإذا كان هذا حال الرجال؛ فالنساء أولى، فهذا الحديث وإن كان ليس فيه تقييد بذلك لكن المعنى عليه، والمطلق محمول على المقيد، والأحاديث تفسر بعضها بعضًا؛ فتأمل.

وفي «عمدة القاري» : واختلف في عدد ما تصلي فيه المرأة من الثياب؛ فقال الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس: (تصلي في درع وخمار).

وقال عطاء: (تصلي في ثلاثة: درع، وإزار، وخمار).

وقال ابن سيرين: (في أربعة؛ الثلاثة المذكورة وملحفة).

وقال ابن المنذر: (عليها أن تستر جميع بدنها إلا وجهها وكفيها، سواء سترته بثوب واحد أو أكثر).

ولا أحسب ما روي عن المتقدمين: من الأمر بثلاثة أو أربعة إلا من طريق الاستحباب.

وقال الإمام الأعظم وسفيان الثوري: (قدم المرأة ليست (٣) بعورة، فإن صلت وقدمها مكشوفة؛ صحت صلاتها)، وفي رواية عن الإمام الأعظم: (فسدت صلاتها)، وزعم أبو بكر بن عبد الرحمن أن كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها، وهو رواية عن أحمد.

وقال مالك وابن إدريس: قدم المرأة عورة، فإن صلت وقدمها مكشوفة؛ أعادت في الوقت عند مالك، وكذلك إذا صلت وشعرها مكشوف، وعند ابن إدريس تعيد أبدًا) انتهى.

وفيه: أن في الحديث دلالة على جواز خروج النساء للصلاة في المسجد بشرط أمن الفتنة عليهن أو بهن، وكرهه بعضهم للشواب، وقال الإمام الأعظم: (تخرج العجائز لغير الظهر والعصر؛ يعني: لصلاة الفجر والعشاءين)، وقال الإمام أبو يوسف والإمام محمد بن الحسن: (يخرجن لجميع الصلوات، لكن اليوم يكره خروجهن للجميع للعجائز والشواب؛ لظهور الفساد وعموم الفتنة) انتهى.

قلت: ولو نظر الإمام الأعظم ما يترتب على خروجهن من الفساد والفتنة؛ لقال: بحرمة خروجهن مطلقًا، فإن الذي يشاهد منهن في ديارنا الشريفة الشامية؛ يوجب القول بالحرمة والمنع من خروجهن مطلقًا؛ فافهم.

واستدل بهذا الحديث مالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد ابن حنبل، وإسحاق على أن الأفضل في صلاة الصبح التغليس، ولا حجة لهم فيه؛ لأنَّه عليه السَّلام فعل ذلك مرة، ثم صار يصليها في وقت الإسفار، كما يأتي.

وقال الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، وأصحابه، والجمهور من التابعين، وغيرهم: (إن الأفضل في صلاة الفجر الإسفار)، واستدل على ذلك بأحاديث كثيرة في هذا الباب رويت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم؛ منهم: رافع بن خديج، روى أبو داود عن محمود بن لبيد عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أصبحوا بالصبح؛ فإنه أعظم لأجركم، أو أعظم للأجر»، ورواه الترمذي أيضًا، وقال: (حديث حسن صحيح)، ورواه ابن ماجه والنسائي أيضًا، وفي رواية: (أصبحوا بالفجر)؛ ومعناه: نوروا بصلاة الفجر، ورواه ابن حبان في «صحيحه»، ولفظه: «أسفروا بصلاة الصبح؛ فإنه أعظم للأجر»، وفي لفظ له: «فكلما أصبحتم بالصبح؛ فإنه أعظم لأجركم»، وفي لفظ للطبراني: «فكلما أسفرتم بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر».

ومنهم: محمود بن لبيد روى حديثه الإمام أحمد ابن حنبل في «مسنده» عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أصبحوا بالفجر؛ فإنه أعظم لأجركم»، ولم يذكر فيه رافع بن خديج، ومحمود بن لبيد صحابي مشهور.

وقال المزي: (محمود بن لبيد بن عصمة بن رافع بن امرئ القيس الأوسي، ولد على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي صحبته خلاف) انتهى.

قال إمام الشَّارحين: (ذكره مسلم في التابعين في الطبقة الثانية، وذكر ابن أبي حاتم: أن البخاري قال: له صحبة، وقال أبي: لا يعرف له صحبة، وقال أبو عمرو: قول البخاري: «له صحبة» : أولى وأجدر، فعلى هذا؛ يحتمل


(١) في الأصل: (كن)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (أبي)، ولعله تحريف.
(٣) في الأصل: (ليس).

<<  <   >  >>