للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

[الْمَخْرَجُ الثَّالِثُ وَيَشْتَمِلُ عَلَى الْقَوْلِ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ]

الْمَخْرَجُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْحَلِفِ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي حَقِيقَةِ الْإِكْرَاهِ وَشُرُوطِهِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: يَمِينُ الْمُسْتَكْرَهِ إذَا ضُرِبَ.

ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ يُرِيَاهُ شَيْئًا، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: إذَا طَلَّقَ الْمُكْرَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ، فَإِذَا فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِثَابِتِ بْنِ الْأَحْنَفِ فَهُوَ مُكْرَهٌ؛ لِأَنَّ ثَابِتًا عَصَرُوا رِجْلَهُ حَتَّى طَلَّقَ، فَأَتَى ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَرَيَا ذَلِكَ شَيْئًا، وَكَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ، فَلَمَّا وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَقَطَتْ أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ عَنْ الْقَوْلِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عَنْ النَّاسِ سَقَطَ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ.

وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ «تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا تُوَسْوِسُ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ» .

زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: «وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: لَا طَلَاقَ لِمُكْرَهٍ، وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ وَابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَجُزْ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ طَلَاقَهُ غَيْرَ جَائِزٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدِينِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَلَا الْمُضْطَهَدِ طَلَاقٌ.

وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ثَابِتٍ مَوْلَى أَهْل الْمَدِينَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ كَانَا لَا يَرَيَانِ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ شَيْئًا، ثنا وَكِيعٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا.

قُلْت: قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْجُمَحِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى يَشْتَارُ عَسَلًا فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَوَقَفَتْ عَلَى الْحَبْلِ، فَحَلَفَتْ لَتَقْطَعَنَّهُ أَوْ لِتُطَلِّقْنِي ثَلَاثًا، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، فَأَبَتْ إلَّا ذَلِكَ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا. فَلَمَّا ظَهَرَ أَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهَا إلَيْهِ وَمِنْهُ إلَيْهَا، فَقَالَ: ارْجِعْ إلَى أَهْلِك فَلَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ، تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>