للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَا هَؤُلَاءِ؛ فَالْعَالِمُ إذَا مُنِحَ غِنَاءً فَقَدْ أُعِينَ عَلَى تَنْفِيذِ عِلْمِهِ، وَإِذَا احْتَاجَ إلَى النَّاسِ فَقَدْ مَاتَ عِلْمُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ.

[مَعْرِفَةُ النَّاسِ] وَأَمَّا قَوْلُهُ " الْخَامِسَةُ مَعْرِفَةُ النَّاسِ " فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا فِيهِ فَقِيهًا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِلَّا كَانَ مَا يَفْسُدُ أَكْثَرَ مِمَّا يَصْلُحُ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا فِي الْأَمْرِ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالنَّاسِ تَصَوَّرَ لَهُ الظَّالِمُ بِصُورَةِ الْمَظْلُومِ وَعَكْسُهُ، وَالْمُحِقُّ بِصُورَةِ الْمُبْطِلِ وَعَكْسُهُ، وَرَاجَ عَلَيْهِ الْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ وَالِاحْتِيَالُ، وَتَصَوَّرَ لَهُ الزِّنْدِيقُ فِي صُورَةِ الصِّدِّيقِ، وَالْكَاذِبُ فِي صُورَةِ الصَّادِقِ، وَلَبِسَ كُلُّ مُبْطِلٍ ثَوْبَ زُورٍ تَحْتَهَا الْإِثْمُ وَالْكَذِبُ وَالْفُجُورُ، وَهُوَ لِجَهْلِهِ بِالنَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَعُرْفِيَّاتِهِمْ لَا يُمَيِّزُ هَذَا مِنْ هَذَا، بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي مَعْرِفَةِ مَكْرِ النَّاسِ وَخِدَاعِهِمْ وَاحْتِيَالِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَعُرْفِيَّاتِهِمْ، فَإِنَّ الْفَتْوَى تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْعَوَائِدِ وَالْأَحْوَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

[الصِّفَاتِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمُفْتِيَ]

[كَلِمَاتٌ حُفِظَتْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَتَضَمَّنُ الصِّفَاتِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمُفْتِيَ] الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي كَلِمَاتٍ حُفِظَتْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ - فِي أَمْرِ الْفُتْيَا، سِوَى مَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إذَا حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْفُتْيَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ، عَالِمًا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ، عَالِمًا بِالسُّنَنِ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: لَا تَجُوزُ الْفُتْيَا إلَّا لِرَجُلٍ عَالَمٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: يَنْبَغِي لِمَنْ أَفْتَى أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِقَوْلِ مَنْ تَقَدَّمَ، وَإِلَّا فَلَا يُفْتِي.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: أُحِبُّ أَنْ يَتَعَلَّمَ الرَّجُلُ كُلَّ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ النَّاسُ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، وَفِي مِصْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَحْفَظُونَ، وَلَا يَعْرِفُونَ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَلَا الْإِسْنَادَ الْقَوِيَّ، فَلِمَنْ يَسْأَلُ؟ لِهَؤُلَاءِ أَوْ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ؟ فَقَالَ: يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ، وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ، ضَعِيفُ الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ الرَّأْيِ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، وَقَدْ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُهُ: إذَا حَفِظَ الرَّجُلُ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ يَكُونُ فَقِيهًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِائَتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>