وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» وَفِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَوَاقِيتِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ: ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، وَفِي لَفْظٍ: فَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، ثُمَّ قَالَ: الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» ، وَهَذَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ، وَهَذَا قَوْلٌ، وَذَلِكَ فِعْلٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ، وَذَلِكَ فِي السُّنَنِ، وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَقْتُ كُلِّ صَلَاةٍ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا» وَإِنَّمَا خُصَّ مِنْهُ الْفَجْرُ بِالْإِجْمَاعِ؛ فَمَا عَدَاهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِهِ، وَالْفِعْلُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَا يُعَارِضُ الْعَامَّ وَلَا الْخَاصَّ.
[رَدُّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ]
[وَقْتُ الْعَصْرِ]
الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ الثَّابِتَةِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَأَنَّهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَذْهَبُ أَحَدُهُمْ إلَى الْعَوَالِي قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَقَالَ أَنَسٌ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا، قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَوَجَدَ الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ، فَنُحِرَتْ ثُمَّ قُطِعَتْ ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا ثُمَّ أَكَلْنَا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ» ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ؛ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ: «وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ» وَلَا مُعَارِضَ لِهَذِهِ السُّنَنِ، لَا فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الصَّرَاحَةِ وَالْبَيَانِ، فَرُدَّتْ هَذِهِ السُّنَنُ بِالْمُجْمَلِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، فَعَمِلْتُمْ أَنْتُمْ، فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أَجْرًا، فَقَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَذَلِكُمْ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، أَيُّ دَلَالَةٍ فِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْنِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّلَالَةِ؟ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَقْصَرُ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute