ذَلِكَ، فَلَا يَكَادُ يُوصَلُ إلَى التَّحْلِيلِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ جَمِيعِهَا إلَّا فِي أَنْدَرِ النَّادِرِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ نَصَحَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، وَنَصَحَ نَفْسَهُ وَنَصَحَ عِبَادَهُ أَنَّ أَيًّا مِنْهَا ارْتَكَبَ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ.
[الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ زَائِلَ الْعَقْلِ]
الْمَخْرَجُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُطَلِّقُ أَوْ الْحَالِفُ زَائِلَ الْعَقْلِ إمَّا بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ شُرْبِ مُسْكِرٍ يُعْذَرُ بِهِ أَوْ لَا يُعْذَرُ أَوْ وَسْوَسَةٌ، وَهَذَا الْمُخَلِّصُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ إلَّا فِي شُرْبِ مُسْكِرٍ لَا يُعْذَرُ بِهِ، فَإِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ.
[طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُكْرَهِ]
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْإِغْلَاقِ وَالْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ، وَأَمْرِهِمَا وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ وَالشَّكِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَتَلَا الشَّعْبِيُّ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ، «، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ: أَبِكَ جُنُونٌ» وَقَالَ «عَلِيٌّ: بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفِيَّ فَطَفِقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُومُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي؟ فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ» .
قَالَ عُثْمَانُ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ، وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ.
وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ، هَذَا لَفْظُ التَّرْجَمَةِ، ثُمَّ سَاقَ بَقِيَّةَ الْبَابِ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ خَالَفَ عُثْمَانَ وَابْنَ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُفْتِي بِنُفُوذِ طَلَاقِهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ الشَّافِي وَالزَّادِ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: قَدْ كُنْت أَقُولُ بِأَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ يَجُوزُ، حَتَّى تَبَيَّنْتَهُ، فَغَلَبَ عَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ بَاعَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ.
قَالَ: وَأُلْزِمُهُ الْجِنَايَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهَذَا أَقُولُ، وَفِي مَسَائِلِ الْمَيْمُونِيِّ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ طَلَاقِ السَّكْرَانِ، فَقَالَ: أَكْثَرُ مَا عِنْدِي فِيهِ أَنَّهُ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute