الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ الْآثَارَ الْمُتَظَاهِرَةَ فِي تَحْرِيمِ الْعِينَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الصَّحَابَةِ تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ عَوْدِ السِّلْعَةِ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَتَوَاطَآ عَلَى الرِّبَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ الْمُقْرِضَ مِنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى يَحْسِبَهَا مِنْ دَيْنِهِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَأْخِيرِ الدَّيْنِ لِأَجْلِ الْهَدِيَّةِ فَيَكُونُ رِبًا؛ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ مَالُهُ وَأَخَذَ الْفَضْلَ الَّذِي اسْتَفَادَهُ بِسَبَبِ الْقَرْضِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ الْوَالِيَ وَالْقَاضِيَ وَالشَّافِعَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ، وَهُوَ أَصْلُ فَسَادِ الْعَالَمِ، وَإِسْنَادُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَتَوْلِيَةُ الْخَوَنَةِ وَالضُّعَفَاءِ وَالْعَاجِزِينَ، وَقَدْ دَخَلَ بِذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِمُهَادَاتِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَحُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ، فَيَقُومُ عِنْدَهُ شَهْوَةٌ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مُكَافَأَةً لَهُ مَقْرُونَةٌ بِشَرِّهِ وَإِغْمَاضٍ عَنْ كَوْنِهِ لَا يَصْلُحُ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ: إمَّا عَمْدًا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَإِمَّا مُبَاشَرَةً كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِمَّا قَتْلًا مَضْمُونًا بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، وَإِمَّا قَتْلًا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِمَّا قَتْلًا مُطْلَقًا كَمَا هِيَ أَقْوَالٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ الْقَاتِلُ أَنْ يَتَعَجَّلَ الْمِيرَاثَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَإِنَّ رِعَايَةَ هَذَا الْقَصْدِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْمَنْعِ وِفَاقًا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ تَوْرِيثَ الْقَاتِلِ ذَرِيعَةٌ إلَى وُقُوعِ هَذَا الْفِعْلِ؛ فَسَدَّ الشَّارِعُ الذَّرِيعَةَ بِالْمَنْعِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَرَّثُوا الْمُطَلَّقَةَ الْمَبْتُوتَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حَيْثُ يُتَّهَمُ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ بِلَا تَرَدُّدٍ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْحِرْمَانَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ذَرِيعَةٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتَّهَمْ فَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ مَأْخَذُهُ أَنَّ الْمَرَضَ أَوْجَبَ تَعَلُّقَ حَقِّهَا بِمَالِهِ؛ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ قَطْعِهِ أَوْ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إجْمَاعِ السَّابِقِينَ.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ وَعَامَّةَ الْفُقَهَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِ الْجَمِيعِ بِالْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْقِصَاصِ يَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَكُونَ عَدَمُ الْقِصَاصِ ذَرِيعَةً إلَى التَّعَاوُنِ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُقْطَعَ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى إلْحَاقِ الْمَحْدُودِ بِالْكُفَّارِ، وَلِهَذَا لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْغَزْوِ كَمَا تَقَدَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute