للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْله تَعَالَى لِكَلِيمِهِ مُوسَى وَأَخِيهِ هَارُونَ: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: ٤٣] {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤] فَأَمَرَ تَعَالَى أَنْ يُلِينَا الْقَوْلَ لِأَعْظَمِ أَعْدَائِهِ وَأَشَدِّهِمْ كُفْرًا وَأَعْتَاهُمْ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ إغْلَاظُ الْقَوْلِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقٌ بِهِ ذَرِيعَةً إلَى تَنْفِيرِهِ وَعَدَمِ صَبْرِهِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ، فَنَهَاهُمَا عَنْ الْجَائِزِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَكْرَهُ إلَيْهِ تَعَالَى.

الْوَجْه السَّادِسُ: أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ فِي مَكَّةَ عَنْ الِانْتِصَارِ بِالْيَدِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ انْتِصَارُهُمْ ذَرِيعَةً إلَى وُقُوعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مَفْسَدَةً مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِغْضَاءِ وَاحْتِمَالِ الضَّيْمِ، وَمَصْلَحَةُ حِفْظِ نُفُوسِهِمْ وَدِينِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ رَاجِحَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الِانْتِصَارِ وَالْمُقَابَلَةِ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً إلَى التَّشَاغُلِ بِالتِّجَارَةِ عَنْ حُضُورِهَا.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: مَا رَوَاهُ حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: «إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابًّا لَاعِنًا لِأَبَوَيْهِ بِتَسَبُّبِهِ إلَى ذَلِكَ وَتَوَسُّلِهِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكُفُّ عَنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ - مَعَ كَوْنِهِ مَصْلَحَةً - لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى تَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُوجِبُ النُّفُورَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ دَخَلَ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَمَفْسَدَةُ التَّنْفِيرِ أَكْبَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ قَتْلِهِمْ، وَمَصْلَحَةُ التَّأْلِيفِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْقَتْلِ.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى زَوَالِ الْعَقْلِ، وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، لَكِنْ حَرَّمَ الْقَطْرَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا، وَحَرَّمَ إمْسَاكَهَا لِلتَّخْلِيلِ وَنَجَسِهَا، لِئَلَّا تُتَّخَذَ الْقَطْرَةُ ذَرِيعَةً إلَى الْحُسْوَةِ وَيُتَّخَذَ إمْسَاكُهَا لِلتَّخْلِيلِ ذَرِيعَةً إلَى إمْسَاكِهَا لِلشُّرْبِ، ثُمَّ بَالَغَ فِي سَدِّ الذَّرِيعَةِ فَنَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ، وَعَنْ شُرْبِ الْعَصِيرِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَعَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ الَّتِي قَدْ يَتَخَمَّرُ النَّبِيذُ فِيهَا وَلَا يَعْلَمُ بِهِ، حَسْمًا لِمَادَّةِ قُرْبَانِ الْمُسْكِرِ، وَقَدْ صَرَّحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِلَّةِ فِي تَحْرِيمِ الْقَلِيلِ فَقَالَ: «لَوْ رَخَّصْت لَكُمْ فِي هَذِهِ لَأَوْشَكَ أَنْ تَجْعَلُوهَا مِثْلَ هَذِهِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>