ومع هذا فإنه لمَّا أسلم صار عبدًا خاشعًا أوَّاهًا منيبًا بكَّاءً بين يدي الله، وقَّافا عند حدوده. كما في صحيح البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- … وذكر أن قوما أغضبوا عُمَر -رضي الله عنه- حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِم، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ بن قيس: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، قال:«وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ»(١)
وبذا صار أفضل هذه الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم- وصديقها أبي بكر -رضي الله عنهما-.
فيستطيع المؤمن أن يحرص على الانتفاع بكلام الله وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويربي نفسه ويهذب أخلاقه عليهما.
يقول ابن القيم -رحمه الله-:
وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن كمال ما يُستمتع به من الطيبات في الآخرة بحسب كمال ما قابله من الأعمال في الدنيا،
ثم قال: … وثِقَلُ مِيزَانِهِ هُنَاكَ بِحَسَبِ تَحَمُّلِهِ ثِقَلَ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الدَّارِ لَا بِحَسَبِ مُجَرَّدِ كَثْرَةِ الْأَعْمَالِ،