للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا نَظِير قَول النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَيفتح لَهُ طَاقَة إِلَى النَّار فيأتيه من حرهَا وسمومها وَلم يقل فيأتيه حرهَا وسمومها فَإِنْ الذى وصل إِلَيْهِ بعض ذَلِك وبقى لَهُ أَكْثَره والذى ذاقه أَعدَاء الله فِي الدُّنْيَا بعض الْعَذَاب وبقى لَهُمْ مَا هُوَ أعظم مِنْهُ

٥ - وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)} [الواقعة]. فَذكر هَاهُنَا أَحْكَام الْأَرْوَاح عِنْد الْمَوْت وَذكر فِي أول السُّورَة أَحْكَامهَا يَوْم الْمعَاد الْأَكْبَر وَقدم ذَلِك على هَذَا تَقْدِيم الْغَايَة للعناية إِذْ هي أهم وَأولى بِالذكر وجعلهم عِنْد الْمَوْت ثَلَاثَة أَقسَام كَمَا جعلهم فِي الْآخِرَة ثَلَاثَة أَقسَام.

٦ - وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)} [الفجر].

وَقد اخْتلف السّلف مَتى يُقَال لَهَا ذَلِك (١)؛ فَقَالَت طَائِفَة يُقَال لَهَا عِنْد الْمَوْت (٢) وَظَاهر اللَّفْظ مَعَ هَؤُلَاءِ فإنه خطاب للنَّفس الَّتِي قد تجردت عَنْ الْبدن وَخرجت مِنْهُ وَقد فسر ذَلِك النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- بقوله فِي حَدِيث الْبَراء -رضي الله عنه- وَغَيره فَيُقَال لَهَا اخرجي راضية مرضيا عَنْك … وَقَوله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} مُطَابق لقَوْله -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى» (٣) وَأَنت إِذا تَأَمَّلت أَحَادِيث عَذَاب الْقَبْر ونعيمه وَجدتهَا تَفْصِيلًا وتفسيرا لما


(١) انظر تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (٢٤/ ٣٩٦).
(٢) رواه الطبري عن أبي صالح مولى أم هانئ ثم قال (٢٤/ ٣٩٧): وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ، أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُقَالُ لَهُمْ عِنْدَ رَدِّ الْأَرْوَاحِ فِي الْأَجْسَادِ يَوْمَ الْبَعْثِ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)} ا. هـ
(٣) رواه البخاري (٤٤٦٣) ومسلم (٢٤٤٤) عن عائشة -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى»

<<  <  ج: ص:  >  >>