الساكنين، قال أبو عبيدة: يروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه قال «١» لابن الزبير، حين خرج الحسين رضي الله تعالى عنه إلى العراق:
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ولطرفة بن العبد، قصة عجيبة مع عمرو بن المنذر بن امرىء القيس، لما كتب له وللمتلمس صحيفتين، ويقال له عمرو بن هند، وكان لا يبتسم ولا يضحك، وكانت العرب تسميه مضرط الحجارة لشدة ملكه، فإنه ملك ثلاثا وخمسين سنة، وكانت العرب تهابه هيبة شديدة. وقال السهيلي: إنه هو عمرو بن المنذر بن ماء السماء، وهند أمه وسمي أبوه المنذر بابن ماء السماء لشدة جماله، وهو المنذر بن الأسود، ويعرف عمرو بمحرّق، لأنه حرق مدينة يقال لها ملهم، وهي عند اليمامة، وقال العتبي والمبرد: سمي محرقا لأنه حرق مائة من بني تميم. ملك ثلاثا وخمسين سنة.
وكان طرفة غلاما معجبا فجعل يتخلج في مشيته بين يديه، فنظر إليه نظرة كادت تبتلعه من مجلسه، فقال له المتلمس حين قاما: يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك، فقال طرفة: كلا.
ثم إنه كتب لهما كتابين إلى المكعبر وكان عامله على البحرين وعمان، فخرجا من عنده وسارا حتى إذا هبطا بأرض قريبة من الحيرة، فإذا هما بشيخ معه كسرة يأكلها وهو يتبرز ويقصع القمل، فقال له المتلمس: بالله ما رأيت شيخا أحمق وأضعف وأقل عقلا منك! فقال له: وما الذي أنكرت علي؟ فقال: تتبرز وتأكل وتقصع القمل! قال: إني أخرج خبيثا، وأدخل طيبا، وأقتل عدوا! ولكن أحمق مني وألأم حامل حتفه بيمينه، لا يدري ما فيه! فتنبه المتلمس، وكأنما كان نائما، فإذا هو بغلام من أهل الحيرة يسقي غنيمة له من نهر الحيرة، فقال له المتلمس: يا غلام أتقرأ؟ قال:
نعم. قال: اقرأ هذه، فإذا فيها باسمك اللهم، من عمرو بن هند إلى المكعبر، إذا أتاك كتابي هذا مع المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيا. فألقى الصحيفة في النهر، وقال: يا طرفة معك والله مثلها. فقال: كلا، ما كان ليكتب لي مثل ذلك. ثم أتى طرفة إلى المكعبر، فقطع يديه ورجليه ودفنه حيا. فضرب المثل بصحيفة المتلمس، لمن يسعى في حتفه بنفسه، ويغرر بها. وستأتي الإشارة إلى هذه القصة، في باب الكاف، في لفظ الكروان.
وكان سبب إحراق عمرو بن هند لبني تميم، كما قاله العتبي والمبرد أن عمرا كان له أخ، وهو أسعد بن المنذر، وكان مسترضعا في بني دارم، فانصرف ذات يوم من صيده وبه نبيذ، فمر بابل لسويد بن ربيعة التميمي، فنحر منها بكرة فرماه سويد بسهم فقتله. فلما سمع عمرو بن هند بقتل أخيه حلف ليحرقن منهم مائة رجل، فأخذ منهم تسعة وتسعين رجلا، فقذفهم في النار، ثم أراد أن يبر قسمه بعجوز منهم ليكمل العدد، فقالت: هلا فتى يفدي هذه العجوز بنفسه؟ ثم قالت:
هيهات صارت الفتيان حمما! ومر وافد البراجم، فاشتم رائحة اللحم، فظن أن الملك قد اتخذ طعاما، فعرج إليه فأتى به إليه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا وافد البراجم، فقال «٢» له عمرو: