وأما وجوب المضي فيه، فصح ذلك عن الصحابة عن عمر وغيره.
وذهبت الظاهرية إلى أنه يفسد نسكه ويبطل وينصرف، ولا يمكن أن يتم نسكاً فاسداً؛ لأنهم يقولون: هل الفاسد عليه أمر الله ورسوله ﷺ؟
فإن قلت: نعم، لزم من ذلك أن الله ورسوله ﷺ يأمران بالفساد، وإن قلت: لا، قالوا إن النبي ﷺ قال:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(١)، والمردود لا فائدة من فعله، قال ـ تعالى ـ: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ [النساء: ١٤٧].
وقال بعض العلماء من التابعين: يتحلل بعمرة ويقضي، فيجعلونه بمنزلة من فاته الوقوف بعرفة، فإنه يتحلل بعمرة ويحل.
لكن لا شك أن الصحابة ﵃ أعمق منا علماً، وأسد منا رأياً، فهم إلى الصواب أقرب منا فنأخذ بأقوالهم، ونقول: يفسد النسك ويلزم المضي فيه، ولا غرابة في ذلك، فها هو الرجل يفطر في نهار رمضان عمداً بلا عذر، ويلزمه الإمساك والقضاء، ثم إن في إلزامه بالمضي نوع عقوبة له، وفيه ـ أيضاً ـ سداً لباب الشر؛ لأن بعض الناس لا يهمه أن يأثم، فيجامع من أجل أن ينصرف، ففي هذا ردع وتأديب له.
وإذا مضى في هذا الفاسد، فحكمه حكم الصحيح على الراجح في كل ما يترتب عليه من محظورات وواجبات.
(١) أخرجه مسلم في الأقضية/ باب نقض الأحكام الباطلة (١٧١٨) عن عائشة ﵂.