«٩١٥» - قال أبو العيناء: أضقت إضاقة شديدة فكتمتها عن أصدقائي، فدخلت على يحيى ابن أكثم القاضي فقال لي: إن أمير المؤمنين عبد الله المأمون قد جلس للمظالم وأخذ القصص، فتنشط للحضور؟ فقلت: نعم، فمضيت معه إلى دار أمير المؤمنين، فلما بصر بنا أجلس يحيى ثم أجلسني فقال: يا أبا العيناء، بالألفة والمحبة ما جاء بك في هذه الساعة؟ فانشأت أقول:[من البسيط]
فقد رجوتك دون الناس كلهم ... وللرجاء حقوق كلّها يجب
إلا تكن لي أسباب أمتّ بها ... ففي العلى لك أخلاق هي السبب
فقال: يا سلامة، انظر أيّ شيء في بيت مالنا وخاصّنا لا في بيت مال المسلمين، فقال: بقية من مال، فقال: ادفع إليه منها مائة ألف وأدررها عليه في كل وقت مثل هذا، فقبضها؛ فلما كان بعد أحد عشر شهرا مات المأمون، فبكى عليه أبو العيناء حتى قرحت عيناه، فدخل عليه بعض ولده فقال له: يا أبتاه بعد ذهاب العين ما يغني البكاء؟ فأنشأ يقول:[من الكامل]
شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيناي حتى يؤذنا بذهاب
لم يبلغا المعشار من حقّيهما ... فقد الشباب وفرقة الأحباب
«٩١٦» - كان أحمد بن طولون كثير الصدقة، وكان راتبه منها في الشهر ألف دينار سوى ما يطرأ عليه من نذر أو صلة أو شكر على تجديد نعمة، وسوى ما يرسله إلى أهل الستر، وسوى مطابخه التي تطبخ في دار الصدقة، وكان أحد المتولّين لصدقاته سليم الفاقو [١] الخادم المعدّل، وكان معروفا بالخير والورع، قال سليم: فقلت له أيها الأمير، إني أطوف القبائل، وأدقّ الأبواب بصدقاتك،