فنزلت [١] عن راحلتي مسرعا وسجدت وقلت: لو رجعت فمدحت عبيد الله بن زياد وهجوت مروان فقلت: [من الطويل]
وقفت بأعلى ذي قسيّ مطيتي ... أميّل في مروان وابن زياد
فقلت عبيد الله خيرهما أبا ... وأدناهما من رأفة وسداد
ومضيت لوجهي حتى أتيت بلاد بني عقيل، فوردت ماء من مياههم، فإذا بيت عظيم، وإذا امرأة سافر لم أر كحسنها وهيئتها قط، فدنوت فقلت: أتأذنين في الظلّ؟ فقالت: انزل فلك الظلّ والقرى. فأنخت وجلست إليها؛ قال: فدعت جارية لها سوداء كالراعية فقالت: ألطفيه شيئا واسعي إلى الراعي فردّي عليه شاة فاذبحيها له، وأخرجت إليّ تمرا وزبدا قال: وحادثتها فما رأيت والله مثلها قط، فما أنشدتها شعرا إلّا أنشدتني أحسن منه، فأعجبني المجلس والحديث، إذ أقبل فتى بين بردتين، فلما رأته رمت ببرقعها على وجهها وجلست، وأقبلت عليه بوجهها وحديثها، ودخلني من ذلك غيظ فقلت للحين: يا فتى هل لك في الصراع؟ فقال: سوأة لك إنّ الرجل لا يصارع ضيفه. قال: فألححت فقالت له: ما عليك لو لاعبت ابن عمك؟ فقمت وقام، فلما رمى بردتيه إذا خلق عجيب، فقلت: هلكت وربّ الكعبة. فقبض عليّ ثم اختلجني إليه فصرت في صدره، ثم احتملني، فو الله ما اتقيت الأرض إلا بظهر كتدي، وجلس على صدري، فما ملكت نفسي أن ضرطت ضرطة منكرة، وثرت إلى جملي، فقال: أنشدك الله، فقالت المرأة: عافاك الله إنه الظلّ والقرى، فقلت: أخزى الله ظلكم وقراكم. فمضيت فبينا أنا أسير إذ لحقني الفتى يجنب نجيبا برحله وزمامه، ورحله من أحسن الرحال، فقال: يا هذا إنه ما سرّني ما كان، وقد أراك أبدعت، أي كلّت ركابك، فخذ هذا النجيب وإياك أن تخدع عنه، فقد والله أعطيت به مائتي دينار قلت: نعم آخذه، فأخبرني من أنت، ومن هذه المرأة