[١٥ - حديث التفكر في آلاء الله عز وجل]
يقول السائل: سمعت حديثاً يقول (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وما معناه؟
الجواب: هذا الحديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وله عدة ألفاظ منها ما رواه الطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله) وفي رواية أخرى (فإنكم لن تدركوه إلا بالتصديق) وفي رواية ثالثة (لا تفكروا في الله وتفكروا في خلق الله) وفي رواية رابعة (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله) والحديث بمجموع طرقه حديث حسن كما بين ذلك العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤/٣٩٥-٣٩٧. وفي صحيح الجامع الصغير ١/٥٧٢.
إذا تقرر هذا فإن المراد بالحديث أن يتفكر الإنسان في مخلوقات الله وفي نعم الله عز وجل، وقد أمرنا الله عز وجل أن نتفكر فيما خلق في آيات كثيرة منها: قوله تعالى {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} سورة الغاشية الآية ١٧..وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سورة الأنعام الآية٩٩.
وقوله تعالى {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} سورة الأعراف ١٨٥. وقوله تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} سورة يونس الآية ١٠١. وقوله تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة العنكبوت الآية ٢٠. وقوله تعالى {فَانْظُرْ إِلَىءَاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة الروم الآية ٥٠. وقوله تعالى {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} سورة عبس الآية ٢٤. وغير ذلك من الآيات الكريمات.
ولا ينبغي التفكر في ذات الله لأن التفكر في ذات الله قد يقود الإنسان إلى الشك وهذا الأمر من وساوس الشيطان ومن إضلاله للمؤمن ليخرجه من الإيمان إلى الكفر والعياذ بالله ولن يستطيع الإنسان بعقله المحدود أن يعرف قدر الله سبحانه وتعالى، قال جل جلاله: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} سورة البقرة الآية ٢٥٥. وقال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} سورة طه الآية١١٠. وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سورة الشورى الآية ١١.
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي صاحب العقيدة المرضية عند أهل السنة والجماعة ما نصه: [ولا نخوض في الله ولا نماري في دين الله] . وقال الشيخ ابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية في شرح العبارة السابقة: [يشير الشيخ رحمه الله إلى الكف عن كلام المتكلمين الباطل وذم علمهم فإنهم يتكلمون في الإله بغير علم وغير سلطان أتاهم {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} سورة النجم الآية ٢٣. وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: [لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه ... ] شرح العقيدة الطحاوية ص ٤٢٧.
وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية معالجة شكوك ووساوس الشيطان عندما يعرض لنا فقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله) رواه أحمد والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ١٦٥٦. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك الناس يتساءلون، حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فإذا قالوا ذلك؛ فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً، وليستعذ من الشيطان) رواه أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/٢٤. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلقك؟ فيقول الله. فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقرأ آمنت بالله ورسله فإن ذلك يذهب عنه) رواه أحمد وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/٢٢. وفي صحيح الجامع حديث رقم ١٦٥٧. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد من هذا الوسواس، فليقل: آمنا بالله ورسوله ثلاثاً فإن ذلك يذهب عنه) رواه أحمد وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/٢٢. وفي صحيح الجامع حديث رقم ٦٥٨٧. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يؤخذ من هذه الأحاديث ست وسائل للتغلب على وساوس الشيطان: ١- أن يقول المرء إذا انتابته هذه الخواطر: آمنت بالله ورسوله. ٢- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فيقول مثلاً: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه) . ٣- أن يتفل عن يساره ثلاثاً. ٤- أن ينتهي عما هو فيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولينته) ، وهذه وسيلة مهمة؛ فإن الاستطراد مع الشيطان في هذه الوساوس يزيد نارها اشتعالاً وضراماً، والواجب أن يقطع المسلم هذه الخواطر بقدر المستطاع، وأن يشغل ذهنه بالمفيد النافع. ٥- أن يقرأ سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) فإن فيها ذكر صفات الرحمن، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن، وقراءة هذه السورة العظيمة وتدبرها كفيل بقطع هذه الوساوس. ٦- أن يتفكر الإنسان في خلق الله، وفي نعم الله، ولا يتفكر في ذات الله، لأنه لن يصل بعقله القاصر إلى تصور ذات الله، قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} انتهى. وقال الشيخ العلامة الألباني بعد أن ذكر الأحاديث السابقة: [دلت هذه الأحاديث الصحيحة على أنه يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله: من خلق الله؟ أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث المذكورة، وخلاصتها أن يقول: [آمنت بالله ورسله، الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. ثم يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان، ثم ينتهي عن الانسياق مع الوسوسة وأعتقد أن من فعل ذلك طاعة لله ورسوله، مخلصاً في ذلك أنه لا بد أن تذهب الوسوسة عنه، ويندحر شيطانه لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن ذلك يذهب عنه) . وهذا التعليم النبوي الكريم أنفع وأقطع للوسوسة من المجادلة العقلية في هذه القضية، فإن المجادلة قلما تنفع في مثلها. ومن المؤسف أن أكثر الناس في غفلة عن هذا التعليم النبوي الكريم، فتنبهوا أيها المسلمون وتعرفوا إلى سنة نبيكم واعملوا بها، فإن فيها شفاؤكم وعزكم] السلسلة الصحيحة ٢/٢٥.
وخلاصة الأمر أن الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن المطلوب من المسلم أن يتفكر في مخلوقات الله عز وجل وآلائه وأن لا يتفكر ي ذات الله لأن التفكير في ذات الله من المضلات والعياذ بالله.