[٤ - مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام]
قول السائل: قرأت في بعض كتب العقائد أن مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام، فما مدى صحة ذلك، أفيدونا؟
الجواب: قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب: [اعلم أن نواقض الإسلام عشرة: الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقال {إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، كفر إجماعاً. الثالث: من لم يكفِّر المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحح مذهبهم. الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه - كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه - فهو كافر. الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به، كفر. السادس: من استهزأ بشيءٍ من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه، والدليل قوله تعالى {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} . السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف- الصرف هو التفريق بين المرء وزوجه وأما العطف فهو التوفيق بين المرء وزوجه وكلاهما يتم بواسطة السحر - فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعلى {وما هم بضارين به من أحدٍ إلا بأذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} . الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} . التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهو كافر. العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} . ولا فرق في جميع هذه بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً وأكثر ما يكون وقوعاً، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.] الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة. وقد ذكر الشيخ حمه الله تعالى أن مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين من نواقض الإسلام، وهذا حق وصدق، فقد اتفق العلماء على أن مظاهرة الكفار على المسلمين كفر وردة عن الإسلام، قال العلامة عبد العزيز بن باز:[وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم] مجموع فتاوي ابن باز ١/٢٧٤. وقال العلامة عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى بالسعودية سابقاً:[وأما التولي: فهو إكرامهم، والثناء عليهم، والنصرة لهم والمعاونة على المسلمين، والمعاشرة، وعدم البراءة منهم ظاهراً، فهذا ردةٌ من فاعله، يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأئمة المقتدى بهم] الدرر السنية ١٥/ ٤٧٩. وقال العلامة الشيخ أحمد شاكر في فتوى له في بيان حكم التعاون مع الإنجليز والفرنسيين أثناء عدوانهم على مصر:[أما التعاون مع الإنجليز، بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفرادٍ أو حكوماتٍ أو زعماء، كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا لله، لا للسياسة ولا للناس] كلمة حق ١٢٦-١٣٧. وقالت لجنة الفتوى بالأزهر في فتوى لها:[ ... لا شك أن بذل المعونة لهؤلاء؛ وتيسير الوسائل التي تساعدهم على تحقيق غاياتهم التي فيها إذلال المسلمين، وتبديد شملهم، ومحو دولتهم؛ أعظم إثماً؛ وأكبر ضرراً من مجرد موالاتهم.. وأشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين ... والذي يستبيح شيئاً من هذا بعد أن استبان له حكم الله فيه يكون مرتداً عن دين الإسلام، فيفرق بينه وبين زوجه، ويحرم عليها الاتصال به، ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين ... ] مجلة الفتح العدد ٨٤٦. وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي:[إذا أعان المشركين على المسلمين فمعناه أنه تولى المشركين وأحبهم وتوليهم ردة، لأن هذا يدل على محبتهم، فإذا أعانهم على المسلمين بالمال أو بالسلاح أو بالرأي، دلَّ على محبتهم ومحبتهم ردة، فأصل التولي هو المحبة، وينشأ عنها الإعانة والمساعدة بالرأي أو بالمال أو بالسلاح فإذا أعان المشركين على المسلمين فمعناه أنه فضل المشركين على المسلمين] شرح نواقض الإسلام عن موقع صيد الفوائد. وقال الشيخ سليمان العلوان:[ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين فتنةٌ عظيمة قد عمت فأعمت، ورزيةٌ رمت فأصمت، وفتنةٌ دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون بحب المشركين، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقلَّ فيه العلم، وتوفرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى واستحكم، وانطمست أعلام السنن والآثار ... لأن مظاهرتهم ردة عن الإسلام.] التبيان شرح نواقض الإسلام ص ٤٩. وقال الشيخ سليمان العلوان أيضاً: [وقد حكى غيرُ واحدٍ من العلماء الإجماع على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم بالسنان والبيان كفر وردة عن الإسلام قال تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} . وأي تولٍ أعظم من مناصرة أعداء الله ومعاونتهم وتهيئة الوسائل والإمكانيات لضرب الديار الإسلامية وقتل القادة المخلصين] . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز [أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقض الإسلام لقول الله عز وجل {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} ] فتاوى إسلامية الفتوى رقم ٦٩٠١. وقال الشيخ صالح الفوزان في شرح الناقض الثامن السابق:[الشيخ رحمه الله تعالى أخذ نوعاً واحداً من أنواع موالاة الكفار وهو المظاهرة، وإلا فالمولاة تشمل المحبة بالقلب والمظاهرة على المسلمين والثناء والمدح لهم إلى غير ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين معاداة الكفار وبغضهم والبراءة منهم، وهذا ما يسمى في الإسلام بباب الولاء والبراء] . وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ:[أما مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، هذا من نواقض الإسلام، كما هو مقرر في كتب فقه الحنابلة وذكره العلماء ومنهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النواقض العشر في الناقض الثامن. وهذا الناقض مبني على أمرين: الأول: هو المظاهرة، والثاني: هو الإعانة، قال: مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين. والمظاهرة: أن يجعل طائفة من المسلمين - يجعلون - أنفسهم ظهراً للمشركين، يحمونهم فيما لو أراد طائفة من المؤمنين أن يقعوا فيهم، يحمونهم وينصرونهم ويحمون ظهورهم ويحمون بيضتهم، وهذا مظاهرة بمعنى أنه صار ظهراً لهم، فقول الشيخ رحمه الله مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين مركبة من الأمرين – الناقض مركب من الأمرين – المظاهرة بأن يكون ظهراً لهم – بأي عملٍ يكون ظهراً يدفع عنهم ويقف معهم ويضرب المسلمين لأجل حماية هؤلاء. أما الثاني فالإعانة: إعانة المشرك] . وكلام أهل العلم في بيان ذلك كثير جداً لا يتسع المقام لذكره. وأما مستند إجماع العلماء على أن مظاهرة الكفار على المسلمين كفر وردة عن الإسلام، فأدلته كثيرة منها: قول الله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} سورة آل عمران الآية ٢٨. وقوله الله تعالى:{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} سورةالنساء الآيتان ١٣٨-١٣٩.
وقوله الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} سورة المائدة الآية٥١. قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية:[والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان] تفسير الطبري عن الإنترنت. وقال الشيخ ابن حزم: [صح أن قوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين] . المحلى ١١/ ١٣٨.
ويدل على ذلك أيضاً قوله الله تعالى:{تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَااتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} سورة المائدة الآيتان ٨٠-٨١. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع انتفاء الشرط انتفاء المشروط، فقال {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} فدلَّ على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه. ومثله قوله تعالى {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمناً، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً] مجموع الفتاوى ٧/١٧-١٨. وغير ذلك من الأدلة.
وخلاصة الأمر أن مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام، ويدخل في ذلك مظاهرتهم مادياً كتقديم العون والمساعدة لهم بغض النظر عن شكلها وحجمها، وكذا تقديم الدعم المعنوي لهم كمساندتهم وممالئتهم في وسائل الإعلام المختلفة.