يقول السائل: إنه يملك محلاً تجارياً وفي يوم الجمعة يذهب إلى الصلاة ويترك زوجته في المحل تبيع الناس فما الحكم في ذلك؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الجمعة الآية ٩. وصلاة الجمعة فرض على كل مسلم بإجماع الأمة والأئمة إلا من استثني وقد أمر الله بالسعي إلى ذكر الله وأمر بترك البيع لما فيه من إشغال عن الصلاة. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) منع الله عز وجل منه عند صلاة الجمعة وحرَّمه في وقتها على من كان مخاطباً بفرضها. والبيع لا يخلو من شراء فاكتفى بذكر أحدهما ... وخص البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق] تفسير القرطبي ١٨/١٠٧. والأمر بالسعي في الآية يفيد الوجوب والأمر بترك البيع بمعنى النهي يفيد التحريم وقد قال جمهور أهل العلم إن المقصود بقوله تعالى:(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) الأذان الذي يكون بين يدي الإمام والذي يبدأ الإمام عقبه بالخطبة لأنه الأذان الذي كان موجوداً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث عن السائب بن يزيد قال: [كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلمّا كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء. قال الإمام البخاري: والزوراء موضع بالسوق من المدينة] رواه البخاري. وفي هذا الحديث أنه كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أذان واحد للجمعة وهو الذي يكون بين يدي الإمام وبعده تكون الخطبة، ثم لمّا كان عثمان أحدث الأذان الثاني لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياساً على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب. فتح الباري ٣/٤٤. وسماه الحديث ثانياً باعتباره وجد بعد الأذان الأول الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وسماه في الحديث ثالثاً: باعتباره مزيداً على الأذان الأول والإقامة ولأن الإقامة تسمى أذاناً كما في الحديث: (بين كل أذانين صلاة) رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق جمهور أهل العلم على تحريم البيع والشراء وقت النداء وأن هذا التحريم خاص بالمخاطبين بفرض الجمعة وأما من لا جمعة عليهم فلا حرج عليهم إذا باعوا وشروا مع أمثالهم ممن لا يخاطب بالجمعة وهؤلاء غير المخاطبين بالجمعة هم: ١. الصبي وهو من كان دون البلوغ. ٢. المرأة فليس على النساء جمعة. ٣. المسافر فلا جمعة على المسافر. ٤. المريض فلا جمعة على المريض العاجز عن إجابة النداء. وهناك أعذار خاصة تسقط الجمعة ليس هذا محل بحثها. فهؤلاء المذكورون ومن في حكمهم ممن لا جمعة عليهم يجوز لهم البيع والشراء وقت النداء لأن الله سبحانه وتعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي للجمعة وهؤلاء غير مخاطبين بالسعي إلى الجمعة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[وتحريم البيع ووجوب السعي يختص بالمخاطبين بالجمعة فأما غيرهم من النساء والصبيان والمسافرين فلا يثبت في حقه ذلك ... فإن الله تعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي ولأن تحريم البيع معلل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة وهذا معدوم في حقهم] المغني ٢/٢٢٠. فزوجتك أيها السائل إن باعت لصبي أو لامرأة مثلها أو لمسافر أو لمريض ومن في حكمهم فلا حرج في ذلك إن شاء الله. وأما إن باعت لمن وجبت عليه الجمعة وهو تارك لها فإن زوجتك قد أعانت على المعصية والإثم فذاك تارك الجمعة لا شك أنه آثم لتركه الجمعة وزوجتك قد باعته فأعانته على المعصية والله سبحانه وتعالى يقول:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ومن المعلوم أن ترك الجمعة لغير عذر ذنب عظيم فقد ثبت في الحديث الشريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:(من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه) رواه أحمد وأصحاب السنن وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين) رواه الطبراني وقال الشيخ الألباني حديث حسن. وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:(من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه) رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الشيخ الألباني ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. صحيح الترغيب ص ٣٠٦-٣٠٧. ويجب أن يعلم أن الأمر بترك البيع وقت النداء لصلاة الجمعة ليس خاصاً بالبيع وإنما النهي يشمل البيع والشراء والإجارة والنكاح وباقي العقود لأن الحكمة في ذلك أن البيع يشغل عن تلبية النداء فكذا بقية العقود ويلحق بذلك الألعاب المختلفة فتحرم إقامة المباريات الرياضية أو الثقافية وقت النداء لصلاة الجمعة. روى الإمام البخاري عن عطاء أحد أئمة التابعين أنه قال:[تحرم الصناعات كلها - أي وقت النداء للجمعة -] . وذكر الحافظ ابن حجر رواية أخرى عن عطاء بلفظ آخر:[إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتاباً] . وقال الحافظ:[وبهذا قال الجمهور أيضاً] فتح الباري ٣/٤١. ويستمر تحريم هذه العقود حتى انقضاء صلاة الجمعة، قال ابن عباس رضي الله عنهما:[لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادي للصلاة فإذا قضيت الصلاة فبع واشتر] ذكره الحافظ في فتح الباري ٣/٤١. *****