الجواب: من المعلوم أن مصارف الزكاة هي المنصوص عليها في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية ٦٠. ومن المتفق عليه بين أهل العلم أن طالب العلم إن كان فقيراً يعطى من الزكاة لفقره. ومن العلماء من قال: يعطى طالب العلم لكونه طالب علم وإن كان قادراً على الكسب إذا تفرغ لطلب العلم. ومنهم من أجاز لطالب العلم أن يأخذ من الزكاة باعتباره داخلاً في مصرف:(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) حيث فسر قوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) بأنه طلبة العلم كما في الدر المختار ٢/٣٤٣، وحاشية الطحطاوي ص ٣٩٢. ونقل ابن عابدين عن بعض الحنفية أن تفسير:(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) بطلب العلم وجيه. حاشية ابن عابدين ٢/٣٤٣. وهذا بناءً على التوسع في مصرف في سبيل الله وهو قول جيد ولكن ليس على إطلاقه بل لا بد من ضوابط معينة لكل حالة من الحالات التي تدخل في هذا المصرف. قال العلامة الشيخ صديق حسن خان:[ومن جملة سبيل الله: الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية فإن لهم في مال الله نصيباً سواء أكانوا أغنياء أو فقراء بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين وبهم تحفظ بيضة الإسلام وشريعة سيد الأنام وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من يرد عليهم من الفقراء وغيرهم والأمر في ذلك مشهور ومنهم من كان يأخذ زيادة على مئة ألف درهم. ومن جملة هذه الأموال التي كانت تفرق بين المسلمين على هذه الصفة الزكاة وقد قال صلى الله عليه وسلملعمر لما قاله له يعطي من هو أحوج منه: ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك، كما في الصحيح والأمر ظاهر] الروضة الندية ١/٥٣٣ - ٥٣٤. وقال الدكتور محمد أبو فارس: [المراد بقوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) طلبة العلم. أورد هذا القول صاحب الفتاوى الظهيرية من الحنفية واقتصر عليه وهذا قول في مذهب الأباضية كما ذكره كتاب شرح النيل عن التاج. وذكر صاحب منهاج الصالين من الإمامية جواز أخذ طالب العلم من سهم سبيل الله. أقول: إنني لم أعثر على دليل من الكتاب والسنة استدل به أصحاب هذا القول على مدعاهم وكل الذي استندوا إليه القياس وصورته إذا كان للعامل على الزكاة أن يأخذ منها لأنه يصرف وقته أو جزءاً منه في منفعة للمسلمين فكذلك الذي يتفرغ لطلب العلم فإن مآله إلى نفع المسلمين. وقياس الطالب المتفرغ للعلم على العامل على الزكاة بجامع حبس النفس لمصلحة المسلمين قياس موفق نؤيده ونراه. إلا أننا لا نحصر سهم سبيل الله في طلبة العلم بل نقول يجوز أن يصرف من هذا السهم لطلبة العلم المتفرغين. ونقول أيضاً: أن طلب العلم جهاد إذ الجهاد مجاهدة النفس على حمل الحق وتعلم العلم وتعليمه للآخرين. ونقول أيضاً: إذا كان طالب العلم فقيراً عاجزاً عن الكسب فيعطى من سهم الفقراء لفقره وحاجته وعجزه عن الكسب وإذا كان فقيراً قادراً على الكسب فيعطى من سهم سبيل الله ولا يعطى من سهم الفقراء لأنه غني بقوته وقدرته على الكسب إلا أنه حبس نفسه لمجاهدتها على تعلم العلم وتعليم الناس فدخل بهذا تحت المجاهدين الذين يستحقون سهم سبيل الله مع قدرتهم على الكسب والله سبحانه وتعالى أعلم] إنفاق الزكاة في المصالح العامة ص ٨٢-٨٣. وقال الدكتور يوسف القرضاوي:[المتفرغ للعلم يأخذ من الزكاة فإذا ما تفرغ لطلب علم نافع وتعذر الجمع بين الكسب وطلب العلم فإنه يعطى من الزكاة قدر ما يعينه على أداء مهمته وما يشبع حاجاته ومنها كتب العلم التي لا بد منها لمصلحة دينه ودنياه. وإنما أعطي طالب العلم لأنه يقوم بفرض كفاية ولأن فائدة علمه ليست مقصورة عليه بل هي لمجموع الأمة. فمن حقه أن يعان من مال الزكاة لأنها لأحد رجلين: إما لمحتاج من المسلمين أو لمن يحتاج إليه المسلمون وهذا قد جمع بين الأمرين. واشترط بعضهم أن يكون نجيباً يرجى تفوقه ونفع المسلمين به وإلا لم يستحق الأخذ من الزكاة ما دام قادراً على الكسب وهو قول وجيه. وهو الذي تسير عليه الدول الحديثة حيث تنفق على النجباء بأن تتيح لهم دراسات خاصة أو ترسلهم في بعثات خارجية أو داخلية] فقه الزكاة ٢/٥٦٠-٥٦١. وقد ذكر الإمام النووي أن المشتغل بتحصيل بعض العلوم الشرعية بحيث لو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل حلت له الزكاة لأن تحصيل العلم فرض كفاية. المجموع ٦/١٩٠. وقال بعض فقهاء الحنفية يجوز لطالب العلم الأخذ من الزكاة ولو كان غنياً إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لعجزه عن الكسب والحاجة داعية إلى ما لا بد منه. حاشية الطحطاوي ص ٣٩٢. وخلاصة الأمر أنه يجوز صرف الزكاة إلى طلبة العلم بشكل عام والمبدعون منهم على وجه الخصوص. ?????