تجالسوا صبيغًا"، ذلك فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه. ولربما قال: لما جالسناه.
وللأثر طرق أخرى، نكتفي بهذا القدر منها.
فقه الأثر:
قال الآجري -رَحِمَهُ اللهُ- في "الشريعة" (١/ ٢١١):
"فإن قال قائل: فمن يسأل عن تفسير {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢)} استحق الضرب، والتنكيل به، والهجرة؟!.
قيل له: لم يكن ضرب عمر - رضي الله عنه - له بسبب هذه المسألة، ولكن لما تأدّى إلى عمر ما كان يسأل عنه من متشابه القرآن، من قبل أن يراه؛ علم أنه مفتون، قد شغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه، وعلم أن اشتغاله بطلب علم الواجبات من علم الحلال والحرام أولى به، وتطلب علم سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أولى به، فلما علم أنه مقبل على ما لا ينفعه، سأل عمر اللهَ تعالى أن يمكنه منه، حتى ينكّل به، وحتى يحذر غيره، لأنه راعٍ يجب عليه تفقد رعيته في هذا وفي غيره، فأمكنه الله تعالى منه".
وقال الإمام أبو عبد الله عُبيد بن محمد بن بطة العكبري في "الإبانة" - الكتاب الأول، كتاب الإيمان- (١/ ٤١٥ - ٤١٧):
"وعسى الضعيف القلب، القليل العلم من الناس إذا سمع هذا الخبر، وما فيه من صنيع عمر - رضي الله عنه -؛ أن يتداخله من ذلك ما لا يعرف وجه المخرج عنه، فيكثر هذا من فعل الإمام الهادي العاقل -رحمة الله عليه-، فيقول: كان جزاء من سأل عن معاني آيات من كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- أحبَّ أن يعلم تأويلها - أن يُوجَعَ ضربًا، ويُنفَى، ويُهْجَرَ ويُشْهَّرَ!!.
وليس الأمر كما يظنُّ من لا علم عنده، ولكن الوجه فيه غير ما ذهب إليه الذاهب، وذلك أن الناس كانوا يهاجرون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، ويَفِدُونَ إلى خلفائه بعد وفاته -رحمة الله عليهم-، ليتفقهوا في دينهم، ويزدادوا بصيرة في إيمانهم، ويتعلَّموا علم الفرائض التي فرضها الله عليهم؛ فلما بلغ