قال الحافظ ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "التمهيد"(٣/ ١٩٨ - ٢٠٢):
"زعم قومٌ أن في هذا الحديث دليلًا على أن مذهب عمر أن لا يقبل خبر
الواحد، وليس كما زعموا؛ لأن عمر - رضي الله عنه - قد ثبت عنه استعمال
خبر الواحد وقبوله، وإيجاب الحكم به؛ أليس هو الذي ناشد الناس بمنى: من
كان عنده علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدِّيَةِ فليخبرنا. وكان رأيه أن المرأة لا تَرِثُ من دية زوجها؛ لأنها ليست من عصبته الذين يعقلون عنه، فقام الضحّاك بن سفيان الكلابي، فقال: "كتب إليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها".
وكذلك ناشد الناس في دية الجنين: من عنده فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
فأخبره حمل بن مالك بن النابغة: "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بغرة عبد أو أمة"، فقضى به عمر.
ولا يشك ذو لبّ ومن له أقل منزلة في العلم، أن موضع أبي موسى من الإسلام، ومكانه من الفقه والدين، أجل من أن يُرَدَّ خبرُه، ويُقبل خبر الضحّاك بن سفيان الكلابي، وحمل بن مالك الأعرابي -وكلاهما لا يقاس به في حال- وقد قال له عمر في حديث ربيعة هذا: "أما إني لم أتهمك، ولكني خشيتُ أن يَقولَ الناسُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". فدل على اجتهاد كان من عمر -رَحِمَهُ اللهُ- في ذلك الوقت لمعنى الله أعلم به.
وقد يحتمل أَنْ يكون عمر -رَحِمَهُ اللهُ- كان عنده في ذلك الحين من لم يصحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل العراق وأهل الشام؛ لأن الله فتح عليه أبيض فارس والروم، ودخل في الإسلام كثير ممن يجوز عليهم الكذب؛ لأن الإيمان لم يستحكم في قلوب جماعة منهم، وليس هذه صفة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله قد أخبر أنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم أشدَّاء على الكفار، رحماء بينهم، وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه.