ومقام الطلب: وهو الذي يترتب عليه توحيد القصد والإرادة، أي: التوحيد العملي، والعلم قبل العمل، وهو إمامه وقائده، وبقدر نفع العلم يكون صلاح العمل، كما قال الله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم}(محمد: الآية: ١٩).
ولذلك لما ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- قول البخاري:"باب العلم قبل القول والعلم" قال الشيخ: بدأ البخاري بالعلم قبل القول والعمل، ولهذا سأذكر هنا موقف الشيخ وعقيدته -رحمه الله- وما ذكره من أنواع التوحيد، فأقول أولًا:"توحيد المعرفة والإثبات":
يعتقد الشيخ في هذا الباب أن توحيد الله تعالى هو المبني على اعتقاد أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريكَ له، وهذا هو توحيد الربوبية، وواحد في ذاته وأسمائه وصفاته لا نظير له، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات.
وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات كلاهما من باب واحد، هو توحيد المعرفة والإثبات، وهو التوحيد العلمي الخبري، وهذا التوحيد هو الأصل، ولا يغلط في الإلهية إلا لمن لم يعطه حقه، وهو الشهادة بأنه لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي، ولا يدبر الأمور إلا هو سبحانه، وهذا حق وقد أقر به الكفار، كما قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُون}(يونس: الآية: ٣١) ولكنهم كفروا، حيث لم يعبدوا الله وحده كما هو مقتضى شهادتهم بالربوبية، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(الزمر: الآية: ٣).