غفلوا عن كون هذه الصيغة في أصل وضعها العربي يتكلم بها الواحد المعظم نفسه، ويتكلم بها الواحد الذي معه شركاء في فعله. فيؤتى لهؤلاء النصارى بالآيات المصرحة بوجدانية الله كقوله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا أن اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}[المائدة الآية: ٧٣]، و {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة الآية: ١٦٣]، {قُلْ إنما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ إنما إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[الكهف الآية: ١١٠]. ونحو ذلك من الآيات المصرحة ببطلان ما يدعون، والمزيلة للاشتباه الذي به يلبسون.
فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم المتحدث عن نفسه، وللعظيم الذي له أعوان يطيعونه! فإذا فعل أعوانه فعلا بأمره قال: نحن فعلنا كما يقول الملك نحن فتحنا هذا البلد، وهزمنا هذا الجيش ونحو ذلك، وحينئذ فالرب تبارك وتعالى يتكلم ب"أنا" و"نحن " لما له من العظمة والجلال. وعديد الأسماء والصفات التي لا يحصيها إلا هو وما له من الجود الذين هم عبيده وتحت قهره يديرهم كيف يشاء فهم {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}. كما وصفهم الله في سورة الأنبياء، فهو سبحانه أحق بالتكلم ب"إنا" و"نحن" ونحو ذلك.
فنحن إذا نفهم مراد الله بقوله:"إنا"و"نحن" وإن كنا نجهل ما دل عليه ذلك من كيفية صفات الله وحقيقة ذاته المقدسة كما نجهل حقيقة ذوات الملائكة وكيفية صفاتهم، ولا نعلم عددهم ولا كيف يأمرهم الله يفعلون. أما الملك من البشر إذا تكلم ب" إنا" و"نحن" فقد يكون مراده" (١)
المسألة العاشرة: حقائق الأسماء والصفات من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.