الوجوه، وعلم ما بينها من الجمع والفرق، والتشابه والاختلاف، وهؤلاء لا يضلون بالمتشابه من الكلام لأنهم يجمعون بينه وبين المحكم- الفارق الذي يبين ما بينهما من الفصل والافتراق.
وهذا كما أن لفظ «إنّا» و «نحن» وغيرهما من صيغ الجمع يتكلم بها الواحد الذي له شركاء في الفعل، ويتكلم بها الواحد العظيم، الذي له صفات تقوم كل صفة مقام واحد، وله أعوان تابعون له، لا شركاء له. فإذا تمسك النصراني بقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} ونحوه على تعدد الآلهة، كان المحكم كقوله:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} ونحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنى واحدًا- يزيل ما هناك من الاشتباه، وكان ما ذكره من صيغ الجمع مبينًا لما يستحقه من العظمة والأسماء والصفات وطاعة المخلوقات من الملائكة وغيرهم".
بين المصنف-رحمه الله- أن من هداه الله للتفريق بين الأمور من اشتباه من بعض الوجوه ممن من الله عليه بمعرفة ما يدل عليه الكتاب والسنة، ومعرفة القدر المشترك بين الشيئين، وما يمتاز كل واحد منهما عن الآخر، وذلك من خلال رد المشكل غير الواضح من النصوص إلى النص الواضح المعنى، بحيث يزول الإشكال والاشتباه، فيعرف الفرق بين الشيئين من جهة الجمع وجهة الافتراق.
وأعطى المصنف مثالًا لذلك بما ورد بشان لفظ (إنا) و (نحن) في القرآن فكلا اللفظين يسخدم صيغة جمع كقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح الآية: ١]. وقوله:{إنا أنزَلْنَاهُ قُرْأناً عَرَبِيا}[يوسف الآية: ٢]، وقوله:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا}[الزخرف الآية: ٣٢]، ونحو ذلك كقوله:{نَتْلُو عَلَيْكَ}[القصص الآية: ٣]، وقوله:{فَرَضْنَا}[الأحزاب الآية: ٥٠]، و {وَرَفَعْنَا} [الشرح الآية ٤ [حيث تمسك النصارى بمثل هذه النصوص، واستدلوا بها على أن الله ثالث ثلاثة! تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وقد