للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألفاظها سبيلًا، فقابلوا النوع الأول بالتكذيب، والنوع الثاني بالتحريف والتأويل، فانكروا لذلك رؤية المؤمنين رَبَّهم في الآخرة، وأنكروا كلامه وتكليمه لعباده، وأنكروا مباينته للعالم، واستواءه على عرشه، وعُلوَّهُ على المخلوقات، وعموم قدرته على كل شيء، بل أخرجوا أفعال عباده من الملائكة والأنبياء والجن والإنس عن تعلُّقِ قُدْرَتِه ومشيئته وتكوينه لها، ونَفَوْا لأجلها حَقائقَ ما أَخبرَ به عن نفسه وأَخبرَ به رسولُه من صِفاتِ كَمالهِ ونُعوتِ جَلَاله؛ وحرَّفوا لأجلها النصوص عن مَواضِعِها، وأخرجوها عن معانيها [وحقائقها] (٩) بالرأي المجرد الذي حقيقته أنه زُبالة الأذهان ونُخالة الأفكار وعُفارة الآراء ووساوس الصدور، فملأوا به الأوراق سَوَادًا، والقلوب شُكوكًا، والعالم فسادًا.

النوع الرابع: الرأي الذي أُحدثت به البدع، وغُيِّرت به السنن، وعمَّ به البلاء، وتربَّى عليه (٨) الصغير، وهَرِمَ فيه الكبير.

فهذه الأنواع الأربعة من الرأي الذي اتفق سلف الأمَّة وأئمتها على ذمِّه وإخراجه من الدين.

النوع الخامس: ما ذكره أبو عمر بن عبد البر عن جمهور أهل العلم أن الرأي المذموم في هذه الآثار عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن أصحابه والتابعين- رضي اللَّه عنهم-أنه القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظُّنون، والاشتغال بحفظ المعْضِلات والأغلوطات، ورَدِّ الفروع والنوازل بعضها على بعضٍ قياسًا، دون ردها على أصولها والنظر في عللها واعتبارها، فاستُعْمِل فيها الرأي قبل أن تنزل، وفُرِّعت وشُققت قبل أن تقع، وتُكّلِّم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن، قالوا: وفي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل السنن، والبعث على جهلها، وترك الوقوف على ما يلزم

<<  <  ج: ص:  >  >>