فالظهور والبطون والوضوح والخفاء في فهم المعاني هي أمور نسبية، فقد يفهم الإنسان من آية فهمًا صحيحًا، وقد يفهم منها فهمًا سقيمًا، وهذا يكون بسبب فهمه، فهذا أمر يختلف فيه الناس، فلذلك إذا كان الفهم فاسدًا فيقال: إن هذا الفهم إذا فهمه البعض فهو فهم فاسد، لا أن يقول: إن ظاهر الآية في هذا هو كذا، وهذا غير صحيح.
فحال المعنى فقد يكون بما يسمى الاشتباه النسبي، بمعنى: أن النص قد يتضح لك ويخفى عليك أو العكس، يتضح لي ويخفى عليك، فالمعنى قد لا يبلغه عقلك أو فهمك، وهذا وقع حتى لبعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فالصحابة رضوان الله عليهم لما سمعوا قول الله -عز وجل-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام: ٨٢]، جاءوا يبكون ويقولون للنبي:"وأينا لم يظلم نفسه" ففهموا من الظلم ظلم النفس، فأرشدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المعنى الحق، وقال:«ألم تسمعوا لقول العبد الصالح يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم»(١)، فأفهمهم بأن المراد من الظلم هنا هو الشرك؛ لأن الظلم على ثلاثة أنواع:
ظلم النفس، وظلم الغير، والظلم بمعنى الشرك.
وهذا عدي بن حاتم عربي قُح، عندما سمع قول الله -عز وجل-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: ١٨٧]، جاء بحبلين بعقالين أحدهما أسود والثاني أبيض ووضعهما تحت وسادته وأخذ ينظر إليهما، يريد أن يتبين إليه
(١) انظر صحيح البخاري كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابٌ: ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ برقم (١٥)، ومسلم كِتَابُ الْإِيمَانَ، بَابُ صِدْقِ الْإِيمَانِ وَإِخْلَاصِهِ (١٢٤)، والترمذي (٣٠٦٧)، والإمام أحمد في المسند مسند المكثرين من الصحابة (٣٥٨٩).