وأهل الوحدة القائلون بوحدة الوجود لما قال من قال منهم أنه الوجود المطلق كابن سبعين والقونوي وأمثالهما قال من قال منهم كالقونوي أنه المطلق لا بشرط ليكون موجودا في الخارج وهذا باطل أيضا فإن الموجود المطلق لا بشرط يتناول القسمين الواجب والممكن فيكون الممكن داخلا في مسمى واجب الوجود
وهم إنما فرقوا بينهما بناء على أن وجود الممكن زائد على حقيقته وهو باطل وأن الواجب إنما يتميز بقيود سلبية والسلوب لا تكون مميزة عندهم بل لا يحصل التمييز في الموجودين إلا بأمور وجودية ولأن المطلق عند من يقول بوجوده في الخارج جزء من المعين فيكون رب العالمين جزءا من كل مخلوق ولأن الخارج لا يوجد فيه كلي ولا مطلق إلا معينا مشخصا ولكن ما هو كلي في الأذهان يكون موجودا في الأعيان لكن معينا ومشخصا وأيضا فهؤلاء الذين يقولون إن واجب الوجود مطلق أو مقيد بالأمور السلبية كابن سينا وأهل الوحدة وغيرهم هم في الحقيقة لا يثبتون له حقيقة ولا صفة ولا قدرا الموجود لا بد له من حقيقة تخصه مستلزمة لصفته وقدره فهم من أعظم الناس تعطيلا للخالق وجحودا له وإن كانوا يعتقدون أنهم يقرون به وقد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع
والرسل عليهم صلوات الله جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل وهؤلاء ناقضوهم جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل فإن الرسل أخبرت كما أخبر الله في كتابه الذي بعث به رسوله أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه حكيم عزيز غفور ودود وأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش وأنه كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا وأنه أنزل على عبده الكتاب إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته وقال في النفي والتنزيه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[الإخلاص الآية: ٤]، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}