للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما نقله هذان المؤلفان عن ابن مماتي ليكون عمله عملا علميا بمعنى الكلمة وله في علماء الغرب بل والشرق أسوة حسنة. ولو أنه فعل لما رأيناه يكتفي بنسخ بعض الفقرات في طبعته وتركها كما هي غير مفهومة ولا قابلة للفهم، مع أن عمل النشر الأول هو أن يقدم إلينا نصا يمكن فهمه، وبهذا فقط يتميز الناشر عن الناسخ، خذ لذلك مثلا في "ص٨٢" وقال: وأمرت غلاما لي، أحضر لي من فكاهين "كذا" القاهرة الورد، والنرجس، والبنفسج، والياسمين، والحرير "كذا" الذين يسمى المنثور، والمرسين، والريحان، والسوسان، والطلع، والبلح، والجمار، والخيار، والبطيخ الأخضر، والباقلا، والتفاح، والفقوس، والأترنج، والنارنج، والأسيا، والليمون ... إلخ. ولو أنه رجع إلى صبح الأعشى "ج٣ ص٣٠٩" لاستغنى عن "كذا" أو اثنتين مما يورد هنا.

والكتاب كله مليء بـ"كذا" والحمد لله كما سنرى، فقد قال صاحب الصبح: "قال المهذب بن مماتي في قوانين الدواوين: بعثت غلاما لي ليحضر من فكاهي القاهرة ما وجد بها من أنواع الفاكهة والرياحين، فأحضر لي منها الورد، والنرجس، والبنفسج، والياسمين، والمنثور، والمارسين ... إلخ". ومع ذلك لم يشر الناشر إلى هذا النص لا في المتن ولا في الهوامش.

من هنا نرى أن الناشر الفاصل لم يبذل ما كنا ننتظره من جهد في خدمة النص بفضل المصادر غير المباشرة، وإذا أضفنا هذا التقصير إلى ما رأينا في حديثنا عن المصادر غير المباشرة، أدركنا أن طبعة الدكتور سوريال لا تزال في الواقع محتاجة إلى نشر أصح من نشرها الحالي.

وكل هذا بفرض أن الناشر قد بذل ما يجب من جهد في قراءة النص قراءة صحيحة، حتى يعتبر عمله نشرا لا نسخا. ولكن كيف يكون الحكم إذا لاحظنا أن الناشر الفاضل قد انتهج في نشره خطة لم نسمع أن أحدا قال بها، فترك النص كما هو، وذلك فيما يقول: "محافظة منه على أسلوبه الأثري"، وهذا قول لا نقبله أصلا، ولا بد لإيضاحه من حديث آخر.

<<  <   >  >>