ولندرة، وفي الثلاث مخطوطي الأزهر ومعهد دمياط. وهو ينبهنا إلى أن نسخ القسم الأول ترجع إلى أصل أقدم من الأصل الذي أخذ عنه ناسخو المجموعة الثانية، بدليل ما ورد في مقدمة نصوص القسم الأول من الإشارة إلى الدولة الملكية الناصرية السلطانية الصلاحية بينما يشير الكاتب في نسخة لندرة إلى الدولة العزيزية. وإذن فأصل القسم الأول من عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي "٥٦٤-٥٨٩هـ/ ١١٦٩-١١٩٣م"، وأصل القسم الثاني جاء في عهد خليفته الملك العزيز عماد الدين "٥٨٩-٥٩٥هـ/ ١١٩٣-١١٩٨".
وهذه النصوص قاطعة في أن ابن مماتي قد حرر كتابه مرتين: مرة لصلاح الدين، ومرة للعز عماد الدين، ونستطيع أن نضيف إليها نصوصا أخرى تقطع بنفس الحقيقة، منها أن المؤلف في طبعة الدكتور سوريال يقول ص٣٤٥ متحدثا عن صلاح الدين:"ورد كتاب كريم ناصري بأن.. افعل كذا وكذا" بينما يقول في نفس الصدد في طبعة الوطن، فإنه كان ورد علي كتاب كريم من السلطان رضى الله عنه، وسقى عهده، وروض لحده، بأن أفعل كذا وكذا. وهذا يدل -كما هو واضح- على أن ابن مماتي قد حرر كتابه كما قلنا مرتين: مرة وصلاح الدين حي، ومرة بعد موته، كما يدل على أن طبعة الوطن مأخوذة من نسخة من القسم الثاني أو ما يماثلها.
وإذن من المؤكد أن كتاب "قوانين الدواوين" قد حرر مرتين، وفي هذه الحالة ما هو التحرير الذي يجب على الناشر أن يعتمد عليه أولًا؟ أليس من البدهي أن يكون اعتماده على التحرير الأخير الذي نقحه المؤلف كما يرى، أو على الأقل، أما يجب على الناشر ألا يغفل هذا التحرير إذا فضل التحرير الأول وبصرنا بأسباب هذا التفضيل؟! ومع ذلك يخبرنا الدكتور سوريال بأنه قد اعتمد بنوع خاص على نسخة من مكتبة غوطة؛ لأنها -فيما يرجح- "أقدم عهدا من بقية المخطوطات الأخرى". وهذا سبب عجيب للتفضيل، فالقدم في النسخ يأخذ به العلماء عندما تكون تلك النسخ عن تحرير واحد للكتاب، وأما عندما تكون لدينا نسخ عن تحريرين مختلفين، فمن الواجب كما يجمع العلماء أن نأخذ بالنسخ المخطوطة عن التحرير الأخير، أو على الأقل أن نجمع بينهما كما قلنا.
ولقد كان لتصرفات الناشر على هذا النحو غير المقبول نتائج خطيرة على النص، ولو أنه اهتم بمخطوطات القسم الثاني اهتمامه بمخطوط غوطة لتجنب تلك النتائج التي يؤسف لها، لقد كان باستطاعته أن يتدراك كل شيء لو أنه