وقد اشترك فى بنائه كل من حضر البناء من المهاجرين والأنصار، والنبى صلّى الله عليه وسلّم كان يعمل فى بنائه، وكان ينقل اللبن والحجارة بنفسه، ويقول راجزا.
اللهم لا عيش إلا عيش الاخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة.
ولقد جعلوا يرتجزون، وينقلون اللبن ويقول بعضهم فى رجزه مستحثا الهمم:
لئن قعدنا والرسول يعمل ... لذاك منا العمل المضلل.
وجعل عليه الصلاة والسلام قبلته إلى بيت المقدس، وجعل له ثلاثة أبواب، بابا فى مؤخره، وبابا يقال له باب الرحمة، والباب الذى يدخل منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل عمده بالجذوع، وذكر السهيلى أنها جذوع نخل، وسقف بالجريد، وجعلت قبلته من اللبن، وقيل من الحجارة منضودة بعضها على بعض.
وقد نخرت عمده فى خلافة الإمام عمر فجردها، واستبدل بها، ولما كانت خلافة عثمان ذى النورين رضى الله عنه بناها بالحجارة المقوسة، وسقفه بالساج، وجعل قبلته من الحجارة، وهذه رواية واحدة، وفى عهد عبد الملك بن مروان أضيفت حجرات نسائه، وكانت تسعا.
ولما كانت أيام بنى العباس، بناه المهدى ثالث ملوكهم، ووسعه وزاد فيه، وذلك فى سنة ستين ومائة، ثم زاد فيه عبد الله المأمون، وأتقن بنيانه.
ونخلص من هذا الى أن سنة النبى صلّى الله عليه وسلّم فى بناء مسجده، ومسجد قباء كانت بأقل كلفة لتشجيع بناء المسجد.
وكما كان مسجده الطاهر الذى هو أحد المساجد التى تشد إليها الرحال كان أيضا مسكنه، وكانت بيوته عليه الصلاة والسلام تسعا، بعضها من جريد مطين بالطين، وسقفها جريد، وبعضها من حجارة مرصوصة بعضها فوق بعض، وسقف أيضا بالجريد، ولم يكن سقفه عاليا.
وكان سريره عليه الصلاة والسلام خشبات مشدودة بالليف، فهل من معتبر، فذلك نبى الخليقة، فهل من الناس من يتسامى إلى حياة كحياته!!
تم بحمد الله المجلد الأول ويحوي الجزء الأول ويليه المجلد الثانى ويحوي الجزء الثاني