آباؤكن رسول اللَّه، واللَّه زوجني بنبيه فوق سبع سماوات؛ ففيه دلالة رسالته؛ لأنه أخفى في نفسه ما كان يخشى قالة الناس في ذلك واستحى منهم، وفي العرف أن من أخفى شيئًا يستحي من الناس إن ظهر عندهم أن يكتم ذلك من الناس ولا يظهره، فإذا كان رسول اللَّه أظهر ما كان يخشى قالة الناس فيه، ولم يكتمه منهم؛ دل أنه رسول؛ إذ لو كان غير رسول، لكتمه وأخفاه ولم يظهره؛ لما ذكرنا من العرف في الناس من كتمان ما يستحيون منهم إذا ظهر.
وكذلك روي عن عمر وعائشة أنهما قالا:" لو كان رسول اللَّه كاتمًا شيئًا من القرآن، لكتم هذه الآية ".
في الآية دلالة لزوم الاتباع لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في كل ما يخبر ويأمر به، وفي كل فعل يفعله في نفسه، إلا فيما ظهرت الخصوصية، فأما فيما لم تظهر فعلى الناس اتباعه فيما يخبر ويفعل؛ لأنه قال: تزوج امرأة دعته، ثم قال:(لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ)، ولو كان يخبرهم بذلك خبرا لحل لهم ذلك؛ فعلى ذلك: هو ذلك أخبر أن ذلك؛ لكيلا يكون على المؤمنين حرج في مثل فعله، واللَّه أعلم. وفيه وجه آخر.
وقوله:(إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرً)، ذكر قضاء الوطر منهن؛ لأن من النساء من لا يحرمن على بعض هَؤُلَاءِ بالعقد، ولكن إنما يحرمن بقضاء الوطر، ومنهن من يحرمن بالعقد نفسه دون قضاء الوطر؛ فأخبر أن أزواج الأدعياء - وإن قضوا منهن الوطر - فإنهن لا يحرمن عليهم، واللَّه أعلم.
وقوله:(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا).
أي: ما كان بأمر اللَّه مفعولا، وكذلك ما قيل: الصلاة أمر اللَّه؛ أي: بأمر اللَّه تكون؛ وإلا الصلاة هي فعل العباد؛ فلا تكون أمر اللَّه، ولكن بأمر اللَّه، فعلى ذلك قوله:(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)، أي: ما يكون بأمر اللَّه مفعولا، وكذا قوله:(حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ)، أي: جاء ما يكون بأمر اللَّه، وهو العذاب الذي أوعدوا؛ لأن أمر اللَّه لا يجيء.